منذ أن تخلص العرب من استعمارية الدولة العثمانية بتخلفها وهمجيتها وعدوانيتها، وإنحازت إلى التحالف الدولي الغربي الانجليزي والفرنسي في الحرب العالمية الاولى، بدى أن العرب في تخلصهم من العثمانيين كالمستجير من الرمضاء إلى النار ، فكان جبروت الغرب الامبريالي وقسوته في عدوانيته أشد مراراة من العثمانيين المتخلفين، فقد كان جزاء العرب أسوأ بمشروعين امبرياليين ، تمثلا بوعد بلفور المشؤوم، واتفاقية سايكس بيكو ، التي مزقت الجسد العربي ، وجعلته قطعاً وأشلاء ممزقة ، ليس لها أي دور ولا حركة فيما يخص بناء مستقبلها ، وتخلصها من حالة التخلف، فزادت هذه عليها حالة التجزأة ، والتي رافقها حالة التبعية ، وهذه أسوأ مشكلات يعاني منها الجسد العربي . أخذ النظام العربي الرسمي ، وخاصة بعد أن تم طرد الاستعمار الغربي ، يعاني من حالة التفتيت والتمزق ، ولم ينجح هذا النظام في تحقيق التنمية المنشودة ، وفشل في تحقيق الامن الوطني ، و بعد هزيمة الخامس من حزيران على ايدي العصابات الصهيونية لم يعد هذا النظام يملك الشرعية التي يستند إليها من خلال الممارسة الديمقراطية ، وتداول السلطة ، والتي كانت قضية فلسطين غطاء لممارسة السلطة الرسمية لدورها اللاوطني في حق الجماهير ، فحق على هذا النظام الرحيل من خلال التوجه لاستعادة الشعب لسلطته المنزوعة من قبل السلطات الحاكمة المتشبثة بالسلطة رغم فشلها . ما بعد الخامس من حزيران ازدادت الأمور اكثر سوءاً في مجيء نظام ملالي الفرس، الذي بات يمارس دوراً فارسياً صهيونياً ، فأصبحت أمور الوطن العربي أكثر سوءاً وتعقيداً بعد غزو العراق واحتلاله ، ثم ما تم من استهداف لطموحات الجماهير العربية في الربيع العربي ، الذي كاد يغير وجه المنطقة العربية بالاتجاه الذي يخدم المواطن العربي لولا إنحراف توجهات الربيع العربي ، بعد استغلاله من قبل القوى العدوانية ، فجاءت أحداث سوريا واليمن وليبيا ، ففقد النظام العربي دوره تماماً وأهليته لولا دعم ومساندة الامريكان على وجه الخصوص والغرب من ورائهم ، فبات العرب لا يواجهون الكيان الصهيوني فحسب ، بل وملالي الفرس المجوس الذين لا يقلون عدوانية عن الكيان الصهيوني ، فكلاهما يقوم على احتلال الارض ، والعمل على تركيع العرب ونهب خيراتهم ، ودخلت التنظيمات الطائفية منها ما هو عميل للغرب والصهيونية ، ومنها الآخر عميل لملالي الفرس ، فتم تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا ، وإنتهى دور مصر الوطني والقومي ، والعالم يعمل على تغذية هذه التنظيمات الارهابية التي ليس لها من أهداف غير الوطن العربي ، فلم تقم ولو بعملية واحدة في كل من ايران و"اسرائيل" ، مما يؤكد أن كليهما له علاقة بممارسة هذه التنظيمات والعمل على تغذية نموها ، وما نشاهده من ممارسات الحشد الشعبي في العراق لا يقل بشاعة عما تمارسه داعش في العراق وسوريا ، فكلاهما يستهدف المواطن العربي في هذين القطرين العربيين المهمين . رغم تبجح الغرب بحقوق الإنسان ، ورغم المواثيق الدولية التي ترفض العنف والعدوان فلم تقم هيئة الأمم بدورها في حماية المنطقة العربية ، لا من الغزو المباشر كما في فلسطين والعراق واليمن وليبيا ، ولا من خلال التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة العربية ، حيث أن النظام الدولي الذي يتحكم في مجريات الأمور في المنظمة الدولية نظام عدواني أمام هيمنة الدول الغربية ، بالاضافة لما اصاب السياسة الروسية في عهد بوتن الذي بات ينافس الامريكان في عدوانيتهم للشعوب ، كما يمارس هذا الدور ضد الشعب السوري وبالتحالف مع ممارسات الملالي العدوانية. كان العرب يملكون مساحة من المناورة في السياسة الدولية مع وجود الاتحاد السوفييتي ، وكانوا يأملون تعدد الاقطاب الدولية ، كنهوض الصين والهند على سبيل المثال ، ليكون للعرب القدرة على التحالف مع هذا الطرف أو ذاك ضد الغرب الامبريالي، ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، وعدم نهوض الصين بدورها الدولي، وتخلف الهند عن الوصول إلى المكانة الدولية كقطب عالمي ، واستفراد الامريكان بالهيمنة على القرار الدولي ، إلى جانب دعمها اللامحدود لسياسات الكيان الصهيوني ، و تحالفهم من تحت الطاولة مع ملالي الفرس في دورهم التخريبي ، فقد بات على العرب استنهاظ هممهم ولم شملهم ، ليحموا أنفسهم في المحافل الدولية وفي ساحات المواجهة ، فلا سبيل أمامهم أمام الهجمة العدوانية التي باتت تنهشهم من الشرق ومن الغرب إلا الاعتماد على الذات . dr_fraijat45@yahoo.com