هذا العنف والطائفية والاقليمية والقطرية الذي يعصف بأمتنا يؤكد وبدون أدنى شك أن لا علاج لهذه الأمة إلا من خلال الفهم القومي ، والفكر القومي الذي لا يقبل اياً من هذه الامراض التي تنخر في جسد الامة أفراداً وجماعات ، هذه الامراض قد جعلت من الامة شيعاً واحزاباً تتقاتل على مائدة ليست بمائدتها ، وتلقم خيراتها لاعدائها وكل من يحقد عليها ، ولا يتمنى لها لا المستقبل فحسب بل والحياة أيضاً ، لأنه لا يستطيع أن يكون أو يسود إلا على أنقاذ هذه الأمة . الأمة يشكل حالها أغرب حالة على الكرة الارضية ، ففي جوهرها أمة متكاملة في الكثير من عناصر الوحدة ، وفي واقعها يظهر النقيض لهذا الجوهر ، عناصر الوحدة التي في باطنها تتعاند مع عناصر التجزأة والفرقة والاختلاف ، امة تعيش التجزأة بدلاً من الوحدة ، والتخلف في مقابل التقدم ، والتبعية في مواجهة الاستقلال ، فما من امة ترضى أن تكون في حالة كهذه مثل الامة العربية الاسلامية التي حري بها أن تستند لعناصر القوة فيها ، وهذه العناصر قوية بقوة الامم الحية ، وبفضل ما قامت به من حمل لواء رسالة السماء السمحة ، وبلغة الضاد المتميزة ، وبالتاريخ المشترك الذي جبل نضالات أبنائها في أتون العلم والمعرفة والجهاد . عطفاً على ذلك فالفكر القومي التقدمي الذي يؤمن بالتعددية ، وأن الاساس هو المواطنة ، فالدين لله ولكل أن يتعامل مع ربه وخالقه بطريقته دون أن يمس اي معتقد لغيره ، والمواطنة القاعدة الاساسية التي يقف على قدميه الوطن والامة، فالحرية والعدالة سمة من سمات الامم الحية ، ولابد من أن تسود سلوكيات المواطنين في تصرفاتهم وافعالهم . والفكر القومي لابد وأن يتشربه أبناؤنا منذ نعومة أظفارهم ، وهم احضان الأسرة وعلى مقاعد الدراسة ، فالتربية عنصر فاعل وأساسي لتكوين شخصية الفرد ، ولابد من دعم غرس السلوك بتطبيق القانون على الجميع ،حتى يصبح السلوك جزءاً من حياة الفرد في ضوء التربية الحقيقية ، تربية المواطن على المواطنة التي تعني أن على الفرد احترام ارادة الآخر ، فالتعددية في الرأي والموقف عناصر قوة وهي دليل حيوية . الفكر القومي العروبي التقدمي هو فكر الوحدة ، فالامة في طور التوحيد بحكم عوامل الوحدة التي ذكرناها آنفاً ، والحرية والتحرر واحدة من خصائص الأمة التي تنشد الانعتاق من التبعية ، فلا حرية مع الظلم وغياب سيادة القامون ، ولا حرية لوطن وأمة مع احتلال اياً كان هذا الاحتلال لوطن أو جزء من اجزاء الوطن ، والامة تنشد العدالة الاجتماعية ، فلا يصح أن يسود الفقر وتتركز الثروة في يدي نفر من ابناء الوطن ، فبمثل هذه تستطيع الأمة أن تقف على قدميها ، تسهم في بناء الإنسانية وتنشد دوراً لها في الإنجاز الحضاري العالمي . الفكر القومي التقدمي لابد له من اطار تنظيمي ، وهو ما يعني وجود تنظيم سياسي يقوم على حماية الامة واهدافها ومنجزاتها ، وهذا ما طرحته بعض الاحزاب العربية القومية التقدمية ، والتي عملت السياسات العدوانية وسلوكيات بعض من احتسبوا عليها على تشويهها ، وتخويف الناس من الوصول إليها ، أضف إلى ذلك ما تقوم به أجهزة السلطات القطرية ، وخاصة الامنية منها على محاربتها ، والتضييق على من ينتسب إليها . الأمة تنشد الحياة الحرة الكريمة ، ولكن لا حياة مع ما يفتك بها من أمراض ، ولا حياة وكل واحد من أبنائها يغني على ليلاه ، وكأنه يعيش في عالم آخر ، فكل واحد له دوره في بناء مشروع الأمة ، ولكل موقعه الذي يستطيع من خلاله أن يؤدي دوره فيه ، بعيداً عن الاستغلال وحب الذات ، قريباً من الايثار والتضحية في سبيل المصلحة العامة ، فليسأل كل فرد من أبناء الأمة ماذا علي أن أقدم ؟ ، وكيف استطيع أن اكون مواطناً صالحاً ؟ ، من خلال المجهود الذي ابذله في خدمة وطني ومجتمعي، فلنكن جميعاً كالبنيان المرصوص في التعاضد والتكاتف واحترام الذات وتقدير الآخر ، حتى نحقق لأمتنا ما تنشده وما يجعل منها امة لها دورها بين الأمم ، بعد أن اقامت دولتها على امتداد الوطن العربي ، وعاش مواطنها حريته ونعم بالعدالة . dr_fraijat45@yahoo.com