ظهور البعث على الساحة السياسية في الوطن العربي حدث تاريخي ، ينفرد عن باقي الحركات والأحزاب السياسية التي برزت قبل أو بعد ميلاد البعث ، فتميز فكره بالعقلانية والموضوعية والعلمية مما جعله يرتقي إلى مستوى ما تحتاجه الأمة العربية من فكر وتنظيم يقودها إلى بر الأمان ويحقق طموحاتها في النهضة والتطور ، وإعادة الإنسان العربي إلى سكة الإبداع والعمل والتضحية ليلحق بركب الحضارة الإنسانية . عظمة الأهداف المتمثلة في الوحدة والحرية والاشتراكية جعلت فكر البعث يغوص في أعماق تحديات الأمة التي أصبحت عائق أمام النهضة والتقدم والتطور والقوة والريادة . فالتجزئة والتخلف وظهور أفكار دخيلة على المجتمع العربي ، ووجود الاستعمار ، كل هذه الحقائق والوقائع تتطلب عمل منظم وعقيدة وعبقرية في الفكر والطرح السياسي الواعي المواكب للأحداث والمتغيرات الجيوسياسية . ولتحقيق كل هذه الغايات ، ركز فكر البعث على الفرد باعتباره الغاية والوسيلة . لاشك أن ما تناوله الرفيق المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله في هذا الصدد في العديد من الكتابات المختلفة والمتنوعة له ما يبرره ، فهو عاش في الغرب وعايش المجتمع الغربي وعاش التطور والحضارة والسلوك والتفكير والممارسة وفي نفس الوقت عينه على واقع الأمة العربية وما دور الإنسان العربي في تحقيق الانقلاب على الواقع الفاسد والانقلاب على الأفكار البالية والرجعية والممارسات المنحرفة دون أن يخفي انتقاده الشديد للاستعمار الغربي ووحشيته . فكر البعث استند إلى قاعدة صلبة هي تاريخ الأمة ورسالتها وإنتاجها الفكري والعلمي والفني ، ولهذا نظر البعث إلى الأمة العربية بأنها أمة محورية لا يمكن لها أن تلغي فكرها وتتبنى أفكار الغير ، مثل ما عملت به الكثير من الحركات السياسية في الوطن العربي . فكر البعث وضع الإنسان العربي في مفترق الطرق أما أن يحقق وجوده من خلال حبه لأمته والاعتزاز بالانتماء إليها والوعي بخطورة التحديات التي تحول دون نهضتها والاستعداد لفعل شيء من أجلها وطبيعة السلوك والقيم المطلوبة ، وإما يصبح رقما زائدا يمكن أن يكون عبئا عليها وعالة أو رقما ضارا . الأهداف التي يتبناها البعث وعلى رأسها الوحدة العربية لا يمكن بحال من الأحوال تحقيقها بدون رجال في مستوى عظمتها وبدون فكر متطور متنور وبدون تجربة. الكل يتفق اليوم بأن لحزب البعث تجربة غنية وعميقة وطويلة شملت جميع جوانب الحياة ، وشملت جميع الفعاليات النضالية والإبداعات الفكرية والتنظيمية ، فالممارسة النضالية أنجبت مناضلين وقادة صنعوا للأمة العربية تاريخا مشرفا ومشرقا كما أنتجت التجربة سلوكا ثوريا وتقاليد نضالية تعبر عن الصورة الحقيقة للإنسان العربي السليم الصحيح . كما أن للبعث تجربة في الحكم بقيادة الرفيق الشهيد صدام حسين ورفاقه من استشهد ومنهم من هو في سجون الاحتلال ومنهم من يقود مقاومة على أرض العراق بقيادة الرفيق الأمين العام للحزب عزت إبراهيم حفظه الله ورعاه ضد الاحتلال الأمريكي والإيراني وذيول العملية السياسية . فتجربة الحكم حققت العديد من المنجزات لشعب العراق والقضية الفلسطينية وكانت سندا قويا للعرب في قضاياهم المصيرية مما جعل التجربة محل تقدير واعتزاز أبناء الأمة وأصدقائها. كما أن للبعث رصيد من التجربة في خوض معارك ضد الكيان الصهيوني دفاعا عن فلسطين والأمة العربية كما أحبط ألأحلام التوسعية للنظام الفارسي في إيران في حرب دامت ثمانية سنوات، وأخيرا المواجهة التاريخية مع أمريكا وحلفائها في أم المعارك المجيدة.وتبقى مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 أكبر وأعظم وأغنى تجربة سواء على مستوى التضحية أو التنظيم أو التجنيد أو التخطيط ثم الحفاظ على كيان الحزب فكرا وتنظيما رغم الحصار المضروب عليها ورغم حجم القوة ألتي تم حشدها للقضاء على البعث. إن قانون الاجتثاث يعتبر أكبر تحدي واجهه الحزب باعتباره مشروع خطير يستهدف الإنسان سواء بالتصفية الجسدية أو إضعافه معنويا وتجريده من عقيدة البعث ومبادئه من خلال الهجمة الإعلامية المركزة لشيطنة البعث وتشويه رموزه لأن الابتعاد عن الأهداف لا يمكن للبعث أن يصنع التجارب العظيمة ويصبح المردود النضالي هزيل لا يرقى إلى مستوى الفكر . فرغم ذلك بقي البعث حاضرا من خلا مناضليه في ربوع الوطن العربي رافعين رايته محافظين على مبادئه كل هذا الصمود وهذا التحدي نابع من عظمة فكر البعث وتجذره في أعماق المناضلين الصادقين. هذا هو حزب البعث العربي الاشتراكي يقدم للأمة العربية فكرا وتجربة غنية تضاف إلى رصيدها وسيستمر في هذا العطاء إلى أن تتحقق الوحدة العربية وتنهض الأمة.