لم أك ُ على موعد ٍ مُسبق عندما شاهدت لقاءً للشاعر المبدع محمد جميل المجمعي ، حين ظَهَر على قناة الرافدين الفضائية ، يوم الأول من أمس ، في برنامج (( بيت القصيد )) ، خلال حلقة الإعادة ، بضيافة الإعلامي الشاب ( معاذ محارب ) الذي أبدع في إدارة اللقاء ونجح في توجيه اسئلته المُستفزة أحيانا ً وهو في حالة إسترخاء تام ، ليفتح قريحة ضيفه ِ ، والذي كان هو الآخر على قدر ٍ عال من الكياسة ِ والثقة بالنفس والتواضع الرفيع لأديب ٍ وشاعر أجده ُ على الصعيد الشخصي قد ظُلِم ولم يُنصِفه ْ ناقدٌ عراقي ، في التعريف به وبنتاجه ِ الشعري الرائع . لابُد من الإعتراف ، ان ماتعرض له قطرنا العزيز من غزو ٍ مُدان واحتلال غاشم جائر على مدى السنوات السوداء الأربعة عشرة ، ومازالَ يّأن ُ منه ، جعلت الكثير منا يُتابعُ عن كثب ٍ الشأن السياسي والأمني والإقتصادي على كافة المحاور دون الإلتفات الى الشأن الأدبي والفني الذي خَفَت َ صوته ، وكُتِمَت أنفاسه في ظل ِ بُحور الدم والدمار وتصاعد اصوات الرصاص وزئير القنابل والمفرقعات الهوجاء التي تستهدف دون تمييز البشر ِ والشجر والحجر ، في غضونه ِ أصبح الإبداع الشعري والنثري والقصصي او الروائي وغيره ، ليس اكثر من تغريد ٍ خارج السرب ، بل تعداه ُ ليضحى مَحَط َ إستهجان واستغراب ، وربما إستنكار شرائح كبيرة من القراء والمُتلقين المطالبين بتكثيف الجهود وتركيزها على المحن ِ التي يعيشها العراق شعبا ً وأرضا ً ومقدرات ، ويُشدِد ُ المطالبون على زيادة عديد ِ المقالات السياسية والتقارير الإخبارية التي تُدين ُ حكام المنطقة الخضراء ومليشياتها المجرمة المدعومة إيرانيا ً وامريكيا ً . ومما لاشك فيه ان الجُرح َ مازال َ ينزف ُ وبشدة ، لاسيّما وان المجرمين تمادوا في إيغالهم ، خصوصا ً وان جريمة إبادة مدينة الموصل واهلها لاتزال قائمة ومستمرة ، بإنتظار ِ صحوة ضمير المجتمع الدولي (( إن كان لديه ذرة منه )) . إلا اني اعتقد ُ متواضعا ً ، الكتابة والتعريف بشاعر ٍ وطنيّ يتبنى موقفا ً مدافعا ً ، ويذب ُ في شِعرِه ِ عن وطنه ِ وامته ِ ، ليس أقلُ شأنا ً من الكتابة ِ في الموضوعات السياسية الأخرى . ومن مُنطلق ِ إنصاف المخلصين ، أجده ُ واجبا ً وطنيا ً واخلاقيّا ً ، لاسيّما حين تنطلق الكتابة من مُنطلق ٍ له ُ دافع مُجرد عن المصالح الفردية الضيقة . وفي واقع الأمر ومن خلال بحثي في الصحف والمجلات والمواقع الألكترونية ، لم أجد من كتب َ عن الشاعر الغيّور (( محمد جميل المجمعي )) ، سوى الصحافي العربي ( ياسين عرار ) من الجزائر الشقيقة ، قبل خمسة أعوام وبصورة ٍ مختصرة في جريدة ( الحوار) الجزائرية . ومن المفارقات التي تستحق السرد ، اننا نجد في الكثير من الصحف والمواقع ، العشرات وربما المئات ممن ينعتون انفسهم بالشعراء ، كُتِب َ عنهم بإسهاب ٍ وإطناب ٍ لايستحقونه ، بينما شاعرٌ جزيل اللغة مُلِمٌ بالأدوات الشعرية وعناصر بناء القصيدة ، لم يُكتبْ عن تجربته ومسيرته الأدبية ، على الرغم ِ من تبنيه ِ مواقف الدفاع عن بلدهِ وامته ِ ، ونظمه ِ للقصائد المعبرة عن معاناتهم وإعلاءِه ِ لجوانب الشرف والعزة بنزاهة ٍ عالية . وُلِدَ محمد جميل وهيب المجمعي في بغداد 1961 . حاصل على البكلوريوس من كلية العلوم قسم البيولوجيا . عضو اتحاد البيولوجيين العراقيين بصفة باحث علمي . عضو اتحاد البيولوجيين العرب بصفة باحث علمي . كتب َ الشعر وهو صغير ٌ يافع ٌ . نال َ العضوية الذهبية في رابطة شعراء العرب ، عضو نُخبة . مُشرف سابق في منتديات صدانا الخليجية . عضو في عدد من المنتديات والمجاميع العلمية والأدبية . تُرجِمَت له ُ قصيدة ( متى نكون ) الى اللغة الإنجليزية ، وترجمة قصيدته ( كُثر ٌ عِجاف ) الى اللغة الإسبانية . فازت قصيدته ُ (( فأنتُم بلادي )) ضمن أفضل ثلاثين قصيدة في مسابقة رابطة شعراء العرب ، الأولى من بين ِ أكثر من 800 أُخرى لكبار ِ الشعراء العرب . أ ُ ختيرت بعض ٌ من قصائده ِ للنشر في دواوين شعرية ورقية مطبوعة مشتركة ، منها (( كُثُرٌ عِجاف )) ، (( قصيدة تعاهدنا )) . يَنويّ إصدار مجموعته الشعرية الأولى تحت عنوان (( وألفُ أخرى تُشرِقُ )) وأخرى (( مرميّات على قارعة الرشيد )) . هُجّرَ من العراق سنة 2005 ، ويعيش اليوم في كندا مُكرَها ً . يقولُ في لقاءهِ التلفزيوني : لم أخترْ غربتي عن وطني وإنما هُجِّرتُ مُرغماً من بقايا وطن ، فرحلتُ الى زوايا الذاكرة ِ المستقرة في القلب . ربما يتبادر سؤال الى الأذهان بعد الإطلاع على سيرته الذاتية ، مفادهُ : كيف لمتخصص ٍ في مجال علمي بحت ان يُنْظمَ الشعر ، دون دراسة الأدب العربي ؟ والسؤال بعينهِ طرحهُ مقدم الحلقة ، بصيغة أُخرى ، يُجيبُ الشاعر : انني لا أُؤمنُ بهذا ، فالشعر موهبة ، وهو نتاجٌ إنساني وتعبيرٌ عن مبدأ بالكلمة ، ولأنه ُ مبدأ ، فهو يخضعُ الى قانون التعامل الإنساني ويتعرضُ للمباديء ومعليّاتها ، وهو غير منقطع عن المجتمع ولَبَنَتَه الأساسية المتمثلة في الإنسان . يستطرد ... ما أُريدُ قولهُ ان الشاعر هو الإنسان ، والإنسان هو الشاعر ، مرتبطان ببعضهما ، فلماذا هذه العلمنة ؟ أقصد بعلمنة الشعر (( تجريدهُ من إنسانيتهِ )) والتعامل معه على إنه (( علم ٌ)) مستقل بينما هو كلمة .(( إنتهى )) . مَن يُراجع نُصوص قصائدهِ ، سيُلاحظ ُ وبلا عناء شيّوع الحنينِ الى الوطنِ واضحا ً جليا ً في ثناياه ، وتعلُقِهِ بربوعِ العراق التي نشأَ فيها ، وشِدة إرتباطه بتراث الأمةِ ، والحنينُ هنا ليس سلبيا ً إنهزامي وليس للتسليةِ الذاتية ، إلا انه حنينُ الأمل الإيجابي لمقاتلٍ واثقٌ من العودةِ وإن تأخرَت . يَتَخَلّلُ أشعاره ايضاً ، صوراً شعرية ً غنيّة بالفخرِ واستحضار التأريخ العراقي والعربي برموزهِ التي اصبحت مدعاة ٌ للعزةِ والرفعةِ . شخصيا ً اختلف مع وصف الاستاذ (( معاذ محارب )) لقصيدة (( مرميات على قارعة الرشيد )) حين شَبَهَها بالخطابيّةِ المنبريّة ، وحقيقة لا أدري على ماذا إستَنَدَ في تشخيصِهِ ونقدهِ لها ، على الرغم ِ من ثناءهِ عليها وإعجابهِ بأبياتها الذي لم يُخفيهْ . من وجهة نظري المتواضعة ، لااستطيع القول سوى إنها بعيدة كل البعدِ عن الأسلوب الخطابي المنبري ، ، نظراً لما بُنيّت عليه من اسلوبٍ سَهلٍ مُشَوّق في الألفاظِ والتراكيب . أجدها قصيدة تُخاطبُ الوجدان وتُشعِرُكَ بجمال لغتها ، إذ صَوَّرَتْ أدَقَ المشاعر والأحاسيس البعيدة عن التعقيدِ والغموض الفاصِلُ بين الشاعر وجماهير الشعب الذي كُتِبَ النص الشعري منهُ وإليه . ربما طغت هذه الصفات على أغلب قصائد محمد المجمعي ، والتي إمتازت بالوضوح والعفوية وسهولة التعبير عن معاناته وأبناء جلدته سواء بسواء ، ورفضِهِ لواقع الإحتلال والتنديد فيهِ وبعملاءهِ ، وتفاؤله بالمستقبل العراقي والعربي المُشرِق . ولاشَكَ انه قدم قضيته وشعبهِ بِفَنٍ وجماليَّةٍ تمثلت في قصائد شعرية متماسكة ، سليمة البُنيّة ، ومَثَلَ بِحق الأدب العربي المُلتزم . تحية للشاعرِ المبدع الاستاذ محمد جميل المجمعي . تحية لقناة الرافدين والمسؤولين عن برنامج بيت القصيد . وحفظ الله العراق والأمة . قصيدة "مرميات على قارعة الرشيد" الجُرحُ جُرحي والدماءُ دمائي والقضبُ والأورادُ مِنْ أفيائي والمرقمُ المصداقُ خالصُ عُدّتي والنحيُ والقِرْضابُ من أشيائي لي عزّةٌ بالسلمِ مُذ عانقتُه فلِيَ البراءةُ والولاءُ ولائي ماخاب لي أملٌ ولستُ بقانطٍ مِنْ ذي الجلالِ وما قطعتُ رجائي ياغايتي ماعادَ يحويها المدى غاياتُ كلُّ الشامخينَ ورائي أنا نخلةُ الوادي العتيقِ وماؤهُ رُطَبي غذاءُ الماخضاتِ ومائي أنا سُفرةُ الأضيافِ دفءُ غطائِهمْ ورداءُ مَنْ عَدِمَ الرداءَ ردائي وَدَمي مصَبُّ الرافدَينِ ونبعُهُ عيني ومجرى مائِهِ أحشائي أنا صبرُ ايوبٍ ووحشةَ يونسٍ ودموعُ يعقوبٍ وعاشوراءِ أنا جُرحُ بغدادٍ ونَزفُ شآمِها ورباطٌ جُندِ اللهِ في إلياءِ أنا بادئُ التاريخِ أوّلُ حرفهِ وأصائِلُ الأعراقِ مِن أسمائي مني صلاحُ الدينِ مني أحمدٌ وأبي حنيفةَ دَرْسُهُ بفنائي وأبي أبٌ للأنبياءِ حنيفُهم وأنا الرشيدُ وغيمُهم بسمائي هم ذاتهُمُ قِمَمُ الرجالِ تواصلوا مِنْ تلكمو الأُسْد الليوثِ أُولاءِ فبطونُ مَنْ ربى الأُلى منثورةٌ ولِبانُها مازالَ في الأثداءِ أنا سيّدُ الكرْمِ الرحومِ وإنني غَضَبٌ على مَن دنسّوا أرجائي أقيأتُهم سوءَ الأماني حينما ولِغَ الغزاة وآلهم بإنائي فبدأتُ بالسوقِ الدنايا قاطِعاً وختمتُ فوق جباهِهِم بحذائي