كانت التربية " هي السبيل الذي سلكه محمد عليه الصلاة والسلام 571-632م ( لاحداث أعمق تغيير روحي وأخلاقي عرفه التاريخ في نفس الانسان " . واستطاع النبي ص أن يدك معاقل الشرك في الجاهلية والوثنية في مكة وأن يقيم للاسلام دولة في الجزيرة وبعدها ليؤسس أتباعه أكبر إمبراطورية إسلامية في التاريخ . لقد أحدث الاسلام ثورة شاملة في المعايير والقيم التي كانت سائدة في الجاهلية، واستطاع أن يحدث طفرات تربوية هائلة في تكوين الانسان وفي تركيبته العقلية التي كانت تهيمن عليه. لقد تغيّر منظور الانسان إلى الكون والحياة كما تغيرت نظرته إلى نفسه وإلى طبيعة الوجود. لقد أنهض الاسلام في الانسان عشق الحقيقة وحب التضحية وسما به إلى آفاق أخلاقية يندر مثيلها في تاريخ الزمان. ويمكن أن نورد مثال لهذا التحول الانساني الشامل في الشاعرة العربية الخنساء التي بكت أخاها "صخرا" في الجاهلية دهرا من الزمن تندبه وتذرف الدمع، سجلت عبر حزنها هذا أروع وأجمل ما في أدب الرثاء من قصائد خالدة. فلما جاء الاسلام وشرفها أنها دخلت فيه وآمنت بنبيه وبرسالته، حدث لها من تغيّر في أحوالها بتغير انتقالها من الجاهلية إلى الاسلام ما يصعب على التصديق وما يتجاوز حدود الخيال والوهم. فها هي في موقعة القادسية تنادي أولادها الاربعة، وتدعوهم للتضحية في سبيل العقيدة الاسلامية، وكان أولادها في مقتبل العمر وعزة الشباب وعظمة الخلق ورهافة الحس، شباب وفتيان صقلهم الايمان بالاسلام وهذبتهم الشريعة وأغدق الله عليهم عطفه الشامل وحبه الكامل بالشهادة، ها هي تناديهم وتقول لهم بلغة إسلامية وبيان استلهم معين وجوده من أدب القرآن: يا بني إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو أنكم بنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجنت حبكم، ولاغيرت نسبكم، وأعلموا أن الدار الاخرة خير من الدار الفانية فاصبروا وصابروا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أرواقها فتمموا وطيسها، وجلدوا رسيسها تتقربوا إلى الله وتظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. فلما أضاء لهم الصبح، باكروا إلى مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم لهم حتى قتلوا عن آخرهم فلما علمت بمصرعهم جميعا قالت: "الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته". تلك هي تربية الاسلام وذلكم هو النهج التربوي العظيم الذي يجعل المؤمنين يتسابقون إلى خطف الموت ويتهاجزون فرحين للقاء السيوف واستقبال الرماح ويتساقطون شهداء في سبيل الاخرة وابتسامات العزة والكرامة الاسلامية ترتسم على شفاههم. هذا هو التحول العظيم في تربية القرآن والاسلام .