ارتسم في البيان الالهي قوله تعالى : "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" ويتألق شمول هذه الفلسفة الانسانية بأسمى أبعادها في قوله الكريم : . وما ارسلناك الا رحمة للعالمين لم يكن الاسلام مجرد عقيدة سماوية روحية خلاقة فحسب، بل كان ومازال يشكل وسيشكل أبدا منهجا فكريا خلاقا يشتمل بذاته على منظومة من الانساق التربوية والفكرية والاجتماعية للوجود الانساني برمته. إنه منهج عمل ومنطلق حياة ورسالة إنسانية تتميز بأسمى عطاءات الخلق والابداع. وفي نسق هذه العطاءات الربانية الخالدة تأخذ تربية الانسان مركزا حيويا في نسق العقيدية التربوية الاسلامية. ولا يمكن أبدا الفصل بين الجوانب التربوية والجوانب العقائدية في الاسلام لان الفكر التربوي ينبثق من صلب العقيدة ويبلورها حقيقة إنسانية مسكونة بأسمى التوجهات الروحية الخلاقة. كان النبي محمد عليه صلوات الله وسلامه نبيا ومبشرا ومعلما ونذيرا وسيبقى أبد الدنيا مربيا للانسانية وهاديا لها. إنه قدر الانسانية والخير فيها إذ جاء ليعلم البشرية بفيض أنواره وتجليات أسراره منهج الحياة والتفكير والعمل، إنه قدوة الانسانية وأسوتها وفي هذا يقول رب العرش العظيم : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" . تستمد التربية الاسلامية منهجها وغايتها وطرائقها وأهدافها ونسغ مبادئها من مصادر إسلامية أربعة رئيسة : وهي : القرآن الكريم بوصفه منهج الاسلام ودستوره ونسغ حركته الروحية، ثم السنة النبوية الشريفة، وسيرة النبي وخلفائه الراشدين، وأخيرا المفكرون العلماء من المربين المسلمين. ولا يمكن الحديث عن تربية إسلامية ما لم يستند الباحث إلى هذه المصادر الاساسية الاربعة. ولايمكن لنا أن نجد نظرية تربوية واضحة المعالم في نسق هذه المصادر بل يتوجب على المفكرين استنباط الدلالات والاشارات التربوية في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يضع نظرية تربوية يمنهج فيها الروح الاسلامية للتربية، بل كان في سلوكه وتعاليمه وأحاديثه النبوية يعلن منهجا تربويا يتسم بالوضوح والدقة والرهافة، وما على الباحث غير العمل على تصنيف هذه الاشارات وتنظيم الدلالات واستخراج الكنوز الفكرية والعملية للتربية الاسلامية السمحاء .