يخطئ من يظن أن العلاقة مع الكيان الصهيوني هي خلاف على قطعة أرض هنا أو هناك ، وأن الصراع فلسطيني "اسرائيلي " ، وأن خطر الصهيونية بنظامها على أرض فلسطين هو خطر على فلسطين فحسب ، وليس على الأمة ، فما زرع هذا الكيان إلا ليكون حاجزاً بين طرفي الأمة في جناحيها الاسيوي والافريقي ، ولعدم قيام الوحدة العربية ، ودولة الأمة من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي ، فما أشد خطورة على الامبريالية والصهيونية أكبر من قيام دولة الوحدة العربية . الصراع عربي صهيوني ، والفلسطينيون ليسوا إلا رأس رمح في هذا الصراع ، والأمة هي المكلفة بتحرير فلسطين كما كانت على الدوام في كل مراحل اغتصابها منذ نبوخذنصر وحتى صلاح الدين ، والوجود الصهيوني بحد ذاته على أرض فلسطين خطر على الأمة ، والخلاف ليس معه على هذه القطعة من الارض أو تلك ، بل لوجوده القائم على الارض . ليس في مقدور السلطة الفلسطينية أن تقيم العلاقات ، وتتنازل عن الأرض لصالح الكيان الصهيوني ، فالسلطة في وثائق اوسلو ادارة الاراضي التي ينسحب منها ما يسمى بجيش الدفاع الصهيوني ، وكل ما تقوم به سلطة اوسلو هو في باب التجاوز على الحقوق الوطنية المشروعة ، ومن يتذرع بحصوله على دعوة زيارة من هذه السلطة لاقامة ندوة هنا أو مهرجان هناك ، أو ليلقي محاضرة ، وما إلى ذلك هو تجاوز على الثوابت الوطنية والقومية ، أضف إلى ذلك أن منظمة التحرير الفلسطيني التي أقر لها في مؤتمر الرباط كممثل شرعي لشعب فلسطين كان هذا التمثيل مشروط بالوحدة والتحرير ، وليس بالتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ، والحقوق القومية العربية ، إلى جانب ما يعتبره الجانب الديني أن فلسطين وقف اسلامي لا يجوز التنازل عنه من أي طرف كان . يصر الكيان الصهيوني في كل معاهدات الاستسلام التي يعقدها مع هذا الطرف العربي أو ذاك على التطبيع ، بمعنى أن يتعامل مع الطرف العربي كشيء طبيعي قائم على الارض ، رغم أن وجوده لم يتجاوز سنوات غرسه على الأرض الفلسطينية ، وهو يصر على عملية التطبيع في التعامل معه كحالة طبيعية ، لأنه على يقين ما لم يكسر الحاجز النفسي في عدم قبوله على الارض العربية ، فلن يكسب من كل المعاهدات التي يعقدها مع هذا الطرف العربي أو ذاك . الكيان الصهيوني على يقين أنه لو اعترفت به كل أنظمة العالم ، ولم يتمكن من الحصول على رضا الجانب الفلسطيني والعربي فلن يستفيد من كل اتفاقيات الاستسلام التي عقدها مع الاطراف العربية ، وبشكل خاص غير الرسمية ، لأنه على يقين أن هذه الاطراف ليست من يعطيه الشرعية في الوجود ، فهي لا تمثل إلا نفسها . التطبيع إذن خارج عن المألوف في العلاقة بين طرفين أحدهما غاصب والآخر مغتصب ، وهذا الاغتصاب اعتداء على الثوابت الوطنية والقومية ، فكم نستغرب لمن يدعو للتطبيع مع مغتصب الارض والوطن ومشرد الشعب ، وسارق الممتلكات ومدمر الهوية والدوس على الحقوق المشروعة . الحالة الفلسطينية لها خصوصيتها ، فهناك مواطنون في الداخل ، وهناك أقارب لهم في الخارج ، وهؤلاء يتوقون لمشاهدة بيوتهم التي تم اغتصابها وزيارة الأهل الذين تركوهم منذ عشرات السنين ، فلا غبار على فلسطيني يقوم بزيارة أهله في الداخل ، ولكن أن لا تكون هذه الزيارة مدخلاً لاقامة علاقات تطبيعية مع أي طرف صهيوني ، وهي ليست لازمة على الدوام ، ولكن للذين يسوقون الزيارات أو ما يسمى بالسياحة الدينية للأخوة العرب تحت يافطة الصلاة في القدس ، فهي تدخل في باب التطبيع ، لأن الزيارة ليست ضرورية من غير الفلسطيني ، والصلاة في القدس ليست ضرورية، ولا هي مطلوبة دينياً. التطبيع مع العدو الصهيوني هي خيانة وطنية وقومية ما لم تكن في الحدود التي أشرنا إليها ، وهؤلاء الذين يعملون على تسويقها أو خلق الذرائع لتبريرها يقومون على خدمة الكيان الصهيوني، فالجانب العربي ليس ملزماً ولا هو مطالب في التعود على رؤية الصهيوني المحتل لارضه ، يصول ويجول على هذه الأرض المغتصبة ، وهو ما يؤدي لكسر الحاجز النفسي مع الصهيوني المحتل ، وهذا هدف يتمناه . باتت عملية ممارسة التطبيع مع العدو الصهيوني واضحة وضوح الشمس ، فلا تحتاج لفذلكة سياسية أو تنظير فلسفي ، لتبرير موقف غير وطني ، أو فتوى دينية ، أو دوس على الحقوق القومية التي تأبى الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني على ارض فلسطين ، وتعطي الذريعة لأي عربي للتخلي عن واجباته القومية اتجاه اغتصاب فلسطين . عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني هي عملية تغييب للعقل ، وفقدان للارادة ، والسكوت على اغتصاب للحق المشروع الذي قامت الامبريالية والصهيونية على اغتصابه ، والتي أدت لاغتصاب وطن وتشريد شعب تحت ذرائع واهية ، وهلوسات دينية لا علاقة لها بالحق ولا بالحقيقة ، فكيف يبرر البعض منا نحن العرب في التنظير لعملية التطبيع مع عدو مازالت أقدامه مغروسة في ترابنا ، واقدام جنوده فوق رؤوسنا ؟ . dr_fraijat45@yahoo.com