الصداقة فن كما هي بقية الفنون يسعى روادها للأرتقاء بمشاعر وأذواق ومواقف الآخرين لما هو اسمى وأجل وأكرم وكذلك الصداقة فهي فن الأختبار للعلاقات الأنسانية وأواصرها وسجاياهاوأصولها وكلما كنّا بارعين في رسم صورتها وأجدنا في تحسّس نبضها وقَدِرْنا على الأيفاء يألتزاماتها وتمكنّا من تلمس ملامحها والأيفاء بحقوقها كانت عراها اقوى وأفقها اوسع ومعانيها أجود ومسالكها سهلة وآمنة . فالصداقة جوهرة كلما عتقت كانت أغلى وكلما دامت أشرقت وأنارت وأثمرت فهي هبة من الله وحبا فيه وهي ثمرة لمساعينا في الدنيا والأخرة فالصديق كما هو رفيق لصديقه في الدنيا يكون رفيقا له يوم العرض على الله فمع اصدقائنا تحلو الحياة وتزول المحن وتستقر احوالنا في الخير والنعيم فلا يستطيع الفرد ان يقضي ايامه بدون صديق يستشيره ويركن اليه عند الحاجه ويزوره عند المرض ويعينه في الصعاب . وكثيرا ما يختبر الناس بأصدقائهم وأن الرجل يحابي من يصحبه ويتبعه في سلوكه ويترتب على هذا الأختيار نتائج وآثار اجتماعية وانسانية وماليه وشرعية فالواجب علينا ان ندقق في اختيار الأصدقاء فصديق يقودك الى الخير والأيمان وعمل المعروف وصديق يقودك الى الهلاك والضياع والفجور فكما ننقي أحسن الثمار وأنضجها وأطيبها مذاقا علينا ان نصاحب من نأمن غدره وموبقات شره من المعاصي والذنوب ونرجوا فضائله عند العرض على الله فالصديق يشفع لصديقه ويحفظ سره ويديم وده ويحفظ سمعته وعرضه . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث التي تحث على طيب ( وأختبروا الناس بأخوانهم فأن الرجل من يعجبه نحوه ) الأختيار بقوله ويحثنا الامام علي بن ابي طالب عليه السلام على الأكثارمن صداقاتنا فالصديق قد يكون اقرب لنا من اخوتنا وأهلينا يشاركنا همنا ويفرح لفرحنا ويشفي جراحاتنا فيقول : وأكثر من الأخوان ما أستطعت أنهم عماد اذا استنجدتهم ظهروا وليس كثيرا ألف خل وصاحب وأن عدوا واحدا لكثيرُ وليس هنالك مكانا في القلب أفضل من صديق يحفظ سرك ويقف جنبك وينصرك على عدوك فأن مصادقة العقلاء ومحادثة الحكماء ومجالسة الأدباء كنز انساني جليل ان احسنّا اختياره لأن في هذا الأختيار محبة صادقه في الله وأمان ورحمة وحنان وجكمة . قال احد الشعراء أفحص مودتك الكريم فأنما يرعى ذوي الأحسان كل كريم واِخاء أشراف الرجال مروءة والموت خير من اّخاء لئيم ويمكن ان نقول ان انواع الأصدقاء ثلاثة : 1. صديق الطفولة والدراسة . وهذا في رأيي افضل الأصدقاء لان صداقته خالية من المصلحة طيبة بسماتها وجميلة بماضيها مؤثرة في حاضرها فقد تبعدنا الحياة عن اصدقاء الطفولة ولكن في النهاية ستعود اكثر متانه في الكِبر وأشد سماحة وطيب خاطر ولنا في ذلك شواهد عديدة لا داعي لحصرها خرجت من كبيسة في ثمانينات القرن الماضي ولدي آلآف الأصدقاء اللذين أجلهم وأعزهم ولا زلت وأحترمهم لكن كم منهم كان متابعا لأخباري سائلا عني ومتفقدا لأحوالي ربما تتجاوز النسبة 90: و منهم من لم تكن علاقتي وثيقة جدا به جزاهم الله عني خير الجزاء وربما تخلف منهم واحد او اثنان وأنا اعذرهم بسبب مصاعب الحياة وقسوة الظروف ولهم مني خالص الدعوات وطيب الأماني . 2. صديق العمل او الوظيفة . وهذا نوع آخر من العلاقات ربما ينتهي بخروجك من الوظيفة اذن هي صداقة مصلحة وان انتهت انتهت تلك العلاقة وقد صادقنا الاف من الناس في هكذا نوع من الصداقات وما ان ابتعدنا عنهم فلا ذكرى لنا في قلوبهم ولو عبدنا لهم طرقهم طيبا وخلقا وسماحة . 3. صديق الصدفة . وهذا النوع من الصداقة يكون طاريء لفترة قليلة بحكم ظرف معين كأن تكون سفرة -دورة - جيرة -سجن وقد يطول هذا الظرف لعدة سنوات او لا يدوم سوى اشهر وينتهي كما ينتهي كل جميل في الحياة . ان أكثر ما يأسر قلوبنا ويكسب محبتنا وينال ثقتنا الصديق المخلص الوفي السموح البشير النجيب المتفقد لأمور أخوانه والمساند لهم عند العوز والمتابع لأخبارهم السائل عن احوالهم والساعي لعمل المعروف معهم لأن هكذا سلوك يبعث في النفس الطمأنينه ويثبّت عرى المودة وطيب الأخاء بين الأصدقاء .