لن أتحدث عن المزايا والقدرات، إنما سينصب الحديث عن الهاجس العام لدى المجتمع الأمريكي الذي توجس خيفة من أول ملاحظة أبداها الرئيس أوباما حين إنحاز بصورة مطلقة إلى أحد المتنافسين ( هيلاري كلينتون ) على الرئاسة ، حتى أنه كاد أن يتوسل جمهور الناخبين ويستجديهم لدعم ( هيلاري ) في كل مناسبة يظهر فيها شخصيًا من خلال الأعلام الأمريكي الموجه وهو يحتضن ( هيلاري ) ويطلب من الناخبين تأييدها والتصويت لها , ولم يكتفِ ( أوباما ) بذلك إنما كان بالضد من ( ترامب ) ومعاكسًا له بطريقة تنطوي على الرغبة في مسألة الأنحياز، الذي يتعارض مع كونه رئيسًا يتوجب عليه أن لا ينحدر إلى مستوى يتعارض مع منحى ( الديمقراطية ) ، التي يتبجح بها شخصيًا وسياسيًا وينأى بنفسه، ولكنه كان يريد وبتخطيط مسبق، أن تكون لسياساته الفاشلة إمتدادات تستمر لثمان سنوات قادمة من العجز والتردد والدفع بمناطق العالم المختلفة، وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط، إلى المزيد من الحروب والتوترات والأنقسامات والتفتت جراء صمته ومراوغاته وتواطئه مع الدولة التي ترعى الأرهاب في العالم - إيران - ، التي خلقت واقعًا إقليميًا ودوليًا مضطربًا أنتج الكثير من الكوارث والأضرار. أين تكمن الأشكالية .. هل في المرشح الرئاسي أم في جمهور الناخبين أم في النظام السياسي الأمريكي؟! : - بعضهم يقول أن الجمهور صاحب الحس النقي القوي في إختيار الرئيس .. ( فقد أخفق الجمهور في اختيار بوش الأب وبوش الأبن وقبلهما بل كلنتون، لأن هؤلاء انتجوا حروب وكوارث ودمروا دول ومزقوا شعوب وعلى أيديهم إنهار الأقتصاد الأمريكي ) . - والبعض الآخر يتحدث عن الرئيس المرشح .. هذا سيئ وهذا أفضل أو أقل سوءًا ، والأنتخابات أو الأختيارات من هذا النوع تجري على أساس المفاضلة .. والنتيجة تظهر خلال أربع أو ثمان سنوات، إن هذا الرئيس قد أضر بالعالم ، ورئيس آخر قد أضر بدول العالم وبشعوبها كما أضر ببلده ، مثل ( بوش الأبن ) و ( أوباما ) على وجه التحديد .!! - ولكن، أحدًا لم يتحدث عن طبيعة النظام السياسي في أمريكا الذي ينتج هذا النوع من الأنتخابات الرئاسية المأزومة بالنظام السياسي ذاته .. فحين يضع هذا النظام أمام الناخبين مرشحين رئاسيين إثنين لأختيار أحدهم، حتى وإن كانا سيئين .. فعلى المجتمع الأمريكي أن يمارس أسلوب إختيار الأقل سوءًا ويبعد الآخر الأكثر سوءًا .. والنتيجة هنا إختيار رئيس سيئ .!! - ما حدث ، هو ذاته حيث يكمن الخلل في طبيعة النظام السياسي حين يمارس لعبته الأنتخابية كل ثمان سنوات أو لولآية واحدة .. فكل العالم يعرف أن ( هيلاري ) كانت اليد اليمنى لـ ( أوباما ) ، الذي يريد أن تكون خليفته إمتدادًا لسياسته في البيت الأبيض، لكي يستمر مسلسل تدمير دول منطقة الشرق الأوسط لحساب الغول الفارسي والغول الصهيوني القابع في تل أبيب .. وكل العالم يعرف أن ( ترامب ) لا يفقه شيئًا في السياسة ولا يكترث لها ولنتائجها، كما كان حال ( جورج بوش الأبن ) حين أحاطه المحافظون الجدد ودفعوه لتدمير العراق والمنطقة والأخلال بميزان تعادل القوى الأقليمي لصالح إيران ولصالح ( إسرائيل ) ، والأضرار باقتصادات بلده وبمكانة دولته وبعلاقاتها ببلدان المنطقة والعالم . - الحالة الراهنة، إن النظام السياسي الأمريكي قد وضع المجتمع الأمريكي بين إختيارين أحدهما أقل سوءًا من الآخر .. أحدهم معروف بأنه سيئ والآخر سيئ ولكنه ليس معروفًا على نطاق واسع .. وكلاهما يسببان الكوارث في خارج بلدهما من خلال القرارات السياسية أولاً والعسكرية - الأمنية ثانيًا والأقتصادية ثالثًا .إلخ . لصالح مَنْ هذه اللعبة؟ وتصب في جعبة مَنْ؟ ثم ، من يقف ورائها من القوى التي تدير السياسات الخفية وراء الكواليس؟! - أحدهم يقول ، المؤسسة الثلاثية التي تتشكل من ( المؤسسة العسكرية، التي تبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها العسكرية عند إشعال الحروب الخارجية- والمؤسسة السياسية، التي تدير ستراتيجية الصراعات وتخترع وسائل المفاوضات والأتفاقات والمعاهدات وتحدد مناطق الأحتقان والتوتر- والمؤسسة المالية والخزانة، التي يهمها تدوير الأموال وخاصة الـ ( بترو دولار ) إلى ماكنة الأقتصاد الرأسمالي - والمؤسسة الأعلامية التي تقلب حقائق العالم، أبيضها أسودها، وسافلها عاليها، تضخم وتقزم، تهمل وتبرز، في ضوء صفحات ( الديمقراطية ) التي تديرها السياسة الأمريكية الفاشلة والمغرضة.!! - لم يسأل أحدهم نفسه .. لماذا إنحاز ( أوباما ) كرئيس صراحة وبكل وضوح وبحماسة قوية للمرشحة الرئاسية ( هيلاري ) ؟ هنالك إحتمالان، الأول : أن يضع أوباما المرشحة الرئاسية هيلاري في منهج سياسته الخارجية ذات الأتجاه المتخاذل والضعيف والمتردد تحت ذريعة ( عدم التدخل العسكري ) - ولكن هذه الذريعة مخادعه، فقد استخدم أوباما سياسة تدخلية أسماها ( القيادة من الخلف ) وسياسة أمنية أسماها ( القفاز غير الحديدي أو الناعم ) وسياسة حرب الـ ( درون ) حيث قتل الألاف من المواطنين في أفغانستان واليمن وسوريا والعراق وليبيا. والهدف المعروف إستمرار تدمير الدول العربية بعد إسقاط أنظمتها السياسية . والأحتمال الثاني : أن يعكس أوباما إنحيازه السافر للمرشحة الرئاسية هيلاري من أجل إسقاطها فعلاً، طالما أن المجتمع الأمريكي قد ذاق ذرعًا والعالم أيضاً من سياسته الخارجية الضعيفة والفاشلة والتي أدت نتائجها إلى نمو الأرهاب وإتساعه وتعدد واجهاته وعبوره الحدود الأقليمية للدول ووصوله إلى أوربا .. وربما يُعَدُ إنحياز أوباما لهيلاري غباءًا مطبقًا من أوباما وتأكيدا لعدم حرفيته في عالم السياسة الدولية .. ومثل هذا الأنحياز قد يكون مأخوذًا بنصيحة ( إيباك ) لأغراض كشفتها تصريحات ( ترامب ) الأنتخابيه من أنه سيسعى إلى ( نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ) والأعتراف بأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني .. والرئيس الجديد القادم إلى البيت الأبيض ( ترامب ) كفيل بتحقيق ما عجز عنه الرؤساء السابقون.!! - الرئيس ( أوباما ) قد أساء لأمريكا سياسيًا وعسكريًا وإقتصاديًا كما أساء إلى الخارج، ووضع أمريكا في مستوى الضعف والتراجع، والأخطر من ذلك ( التفكك العنصري ) ، الذي بدأت ملامحه تظهر في بنية المجتمع الأمريكي .. فأنحيازه إلى ( هيلاري ) قد رجح كفة ( ترامب ) .!! - ولكن ، يتوجب التأكيد على أن سياسة أمريكا كدولة لا تحشر في سياسات الرؤساء .. بمعنى، أن السياسة الخارجية الأمريكية وما وضعته من تخطيط إستراتيجي ليست هي سياسة الرؤساء، رغم أن لكل رئيس المبدأ الذي يعلن عنه مسبقًا ويعمل مع إدارته على تنفيذه على وفق واقع الأستراتيجية العظمى أو الكبرى لأمريكا، وهي ثابتة كدولة إمبريالية تستند إلى نظام رأسمالي نفعي وجشع وليس له من قيم التعامل الأنساني .. فالرئيس ليس وحده من يصنع السياسة الخارجية والداخلية، إنما محاط بمؤسسات الدولة حيث تكمن النخب التي تمثل هذه المؤسسات الرأسمالية وترسم خطوطها ومساراتها وتبقي على اسسها وأصولها المعتمدة . ما يهمنا، هل هناك نظرة جديدة لرئيس أمريكي قدم إلى البيت الأبيض حيال المنطقة العربية لأيقاف الحروب والدمار الذي خلفته سياسة ( بوش الأبن ) و ( أوباما ) ؟ ، ويمكن رصد ردود أفعال بعض الدول الأقليمية ليصار إستخلاص التوجهات ، إذا كانت هناك ثمة توجهات جديدة في الأفق : 1- تُظهِر طهران بعض القلق مصحوبًا بعجرفة معهودة، حول الأتفاق النووي، ما إذا كان ترامب سينفذ تهديده، الذي أكد فيه ( أن الأتفاق النووي هو الأسوء في تاريخ أمريكا، وإن إلغاؤه سيكون ضمن أجندته، لأنه كارثي ) . 2- طهران تبدي قلقًا شديدًا تجاه تصريحات ترامب شديدة اللهجة حيال ( التصرفات الأستفزازية للنظام الأيراني والحرس الثوري خصوصًا في مياه الخليج العربي، فضلاً عن خرق طهران للأتفاق النووي بتطوير وتجربة الصواريخ البلستية ) .!! 3- طهران ترى أن الأتفاق النووي هو حصيلة إتفاق دول 5+1 وليس دولة واحدة .. إذن ، لماذا القلق ؟! 4- لقد أظهرت طهران مرات عدة عدم أهمية دور الأمم المتحدة في نص الأتفاق، رغم إصدار القرار ( 2231 ) من مجلس الأمن الدولي.!! 5- فيما تأتي العجرفة الفارسية حين تشكك في قدرة أمريكا - ترامب خلال المرحلة المقبلة في التصدي لأيران . يقول " حسن روحاني " ( إن أمريكا لم تعد لديها القدرة على التخويف من إيران وتشكيل إجماع دولي ضدها ) .. فلماذا القلق الأيراني إذن.؟! ومن هذا يتبين إن " حسن روحاني " يبني رأيه على ثلاث فرضيات : أولاً- إن " ترامب " لن يتمكن من بناء تحالف أو شراكة إستراتيجية ضد إيران، كما فعلتها إمريكا في عام 1991 حتى عام 2003 .!! ثانيًا- إن ( ترامب ) لا يتمتع بالخبرة السياسية الدولية، ولا يحظى بشرعية التحالف الدولي .. وكأن أمريكا خالية من مؤسسات صنع القرار.!! ثالثًا- إن العالم يمر بمرحلة إنتقالية تؤثر على الأولويات الأمريكية حيال نظام دولي آخر في طور التشكيل .. وإن أمريكا أحد أقطاب هذ النظام وليس القطب المسيطر. ولكن .. لم يطرح ( ترامب ) لحد هذه اللحظة في تصريحاته الأنتخابية سياسة بديلة عن سياسة ( أوباما ) تجاه المنطقة .. وإن المؤشر الأقوى على أي تغيير في السياسة الأمريكية ستحدده النقلة ( النوعية ) ذات الأطار الأمني.!! 6- تخشى إيران من أن تشكل سياسة ( ترامب ) الجديدة عامل ضغط قوي على اللوبي الأيراني المتداخل في الكونغرس وفي البيت الأبيض وعلاقات ( جون كيري ) وزير الخارجية الأمريكي العائلية ببعض القيادات الأيرانية المتنفذه ( جواد ظريف ) ، ومستشارة هيلاري السياسية والأعلامية من أصل فارسي وإمتداداتها في البيت الأبيض وقربها من ( أوباما ) .!! 7- ويأتي القلق الأيراني من بقائها في عزلة إقليمية ودولية . 8- ولكن ، طهران تشعر ببعض الأرتياح من تصريحات ( ترامب ) الأنتخابية بأنه سيتعاون ويخفف التوتر ومجابهة الأرهاب على صعيد سوريا والعراق .. ولكن، تظل إيران الدولة التي ترعى الأرهاب، وهي الحقيقة التي أعترفت بها السياسة الأمريكية، حيث عمل ( أوباما ) عكس مدلولها السياسي والأجرائي- القانوني تمامًا . 9- قال الجنرال ( فايكل فلاين ) مستشار ( دونالد ترامب ) لشؤون الأستخبارات والأمن ( حليفتنا تركيا في أزمة وبحاجة لدعمنا .. لا بد من تغيير السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يجعل تركيا ضمن أولوياتنا .. وإن تركيا بلد مهم جدًا من أجل مصالح الولايات المتحدة .. وإن تركيا الحليف الأهم في مواجهة داعش في العراق وسوريا .. كما أنها مصدر الأستقرار في المنطقة ) .!! يُستنتجْ من حديث الجنرال ( فلاين ) أن أمريكا قد تكون مقبلة في بعض أوجه سياساتها على تغيرات محدودة في المنطقة، ولكنها تغيرات لا تخرج عن ثوابت مشروع الشرق الأوسط الكبير.!!