عن الفلوجة ونينوى وارض العراق اتحدث , عن حلب وحمص والشام , عن الشر القادم اليها من كل مكان , من احقاد فارس وعملائهم القابعين اليوم في ارض كانت للكرامة عنوان , عن حشدهم اللعين , ومليشياتهم القادمة من الرذيلة , عن غربان الشر القادمة من خلف المحيطات , من ارض صموئيل ( العم سام ) تارة , ومن ارض السلافيين في اخرى , واسراب غربان ثالثة يقودها المجوس عبدة النار , واخرى , واخرى ... , حتى العربان اخذوا نصيبهم في تحقيق ذلك الدمار , من كل عناوين الشر البعيد منها والقريب , عن الدمار الذي حل في ارض الانبياء , ارض الحرف والقانون , ارض نبوخذ وصدام المجيد , وارض اليرموك مبتدأ الاسلام في الشام , ارض ذي قار التي انتصف فيها العرب على العجام , والقادسية التي حلت على الفرس مرتان , عن بغداد الرشيد , وسامراء المنصور, عن حماة الحصن وحلب الشهباء . اين كنا , واين اليوم قد بتنا , ووطن قد مد على الأفق جناحا , وارتدى مجد الحضارات وشاحا , عن لهيب قد كان , وشموخ لا تدانيه سما , بابل واشور , ورجال كانوا بالأمس القريب قد أوقدوا رمال العرب ثورة , وحملوا راية التحرير فكرة , وحاميا وصامدا ومُقدما دوما , وطن كان للأمة ملاذا , اسمه العراق , ورجال لم يلينوا يوما , ولم يتنازلوا عن الشموخ والكرامة عنوانا , وعن الايمان عقيدة . تبدل المشهد في يوميات طفل عراقي , كان والده بالامس القريب يحدثه عن الطلائع , ويوميات عنوانها شموخ وكرامة , عن اعراس الشهداء القادمين من ارض القادسية , واهازيج النصر المختلطة برائحة البارود والياسمين العراقي , يتفاعل معها الجيران , لا فرق بينهم الا بحجم عشقهم للوطن , ونيروز الذي كانوا يعيشون ايامه في شمال الوطن , حيث الدفئ والسكينة , والأصدقاء الكرد حيث كانوا يقصدون , ويبيتون بينهم ليال وأيام , والرقصات التي اختلطت ببعضها , عربية , كردية , اشورية , سريانية , من الشمال والجنوب , ومن غرب الوطن وشرقه . لم يكتمل المشهد الذي اختزله الطفل في ذاكرته من احاديث والده فيما مضى من ايام , وتتبدل الذاكرة بالحقيقة , عندما تدخل غربان الشر اجواء المدينة , ويبدأ قصف الحشد اللعين من بعيد .يختبئ الطفل بين ثنايا الجدران المتهالكة من القصف اليومي , وغربان الشر تحوم في الأجواء , قادمة من كل صوب وحدب , تقصف الحي والميت , وهمجيون يملأهم الحقد يقصفون من بعيد بلا تهديف , الشوارع , المساجد , البيوت , المستشفيات ورياض الأطفال أو ما تبقى منها , كل الأرض على امتداد بصرهم والبعيد , كلها مرمى لحقدهم . وفي برهة كان قد توقف فيها القصف , وكانت الغربان قد ابتعدت لتقصف في الجوار , ,,,, خرج الطفل من بين ثنايا الأشياء المبعثرة , نظر لأبيه , نظرة تملأها الحيرة والاحباط , والدموع تفيض في عينينه الصغيرتين وقال : هل بقي لهذه الدنيا عدالة يا ابي ... ... !!! نظر الأب الى الأفق ودون أن يجيب , قال في نفسه , حري بهذا البشر أن يتفقدوا انسانيتهم , قبل أن يطلبوا لعبادتهم من الله القبول , لا نقول ايمان او عدل , فقط انسانية ولو جزء منها يسير ... فهل تبقى في هذه الدنيا بعد هذا الذي يحدث , وما يرافقه في الكون من صمت مطبق , هل تبقى من بشر, هل تبقى عنوانا من عناوين الانسانية ... !!!...اختلط حديثه مع نفسه بصراخ ابنه وصوت الانفجارات الذي عاد من جديد بعودة الغربان , وقصف الحشد اللعين الذي ازداد قسوة وشدة , فيحتضن ابنه وهو يعلو بصوته , الله اكبر الله اكبر الله اكبر ........