الزمان : صيف ايلول القائض لعام 1980 المكان : بغداد الشخوص : عائلتي كنت طفلة صغيره حينها، لايتعدى عمري العشر سنوات .. وكنت وقتها في عطلة نهايه السنه الدراسيه انا وبقيه اخوتي الصغار.كنا نستفيق دوماً لا لنفطر على الطعام والحليب هههه بل على اللعب وضجيج الدراجات الهوائيه وصوت اجراسها المزدانه بالشرائط الملونه ،حيث نتسابق على وقع رنينها في شارعنا الجميل الواقع بجانب الرصافه البهيه.. لكننا يومها لم نستفق على مااعتادت على سماعه اذاننا الصغيره، بل على شيءٍ مغاير.. اصوات مرعبه للغايه ومخيفه جداً،لم اعي وقتها ماهي فلم يسبق لي ان سمعت هذه الاصوات من قبل،ليس بهذا الرعب! كانت امي تصرخ علينا اني واخوتي خائفه علينا من زجاج النوافذ من ان يتهشم فوق رؤوسنا فيؤذينا.حيث قالت بذعر اكاد اذكره للآن: وخرو من الشباك لايجرحكم. صحيت اختي الصغرى ذات ال5 اعوام مذعوره تصرخ بشكل هستيري فقفزت اليها دون وعي مني ،حملتها واختبأت تحت السلم وانا ارتعد خوفاً وقلقًا علي وعليها وعلى بقيه اخوتي الصغار وامي المسكينه. لكن اختي لم تسكت وكذلك انا،بقينا نبكي سوية الى ان جاءت امي وشدتنا نحن الاثنتين بيدها المرتعشه خوفاً لتخبئناً مجدداً في مكان آخر اكثر أمناً خوفا من سقوط القنابل المتراميه علينا من السماء اخرجتنا من البيت ووضعتنا جميعنا انا وبقيه اخوتي ال6 تحت النخله الكبيره وقالت :غطو راسكم بيدكم وابد لاتشيلون راسكم ولاتتحركون. وقد فعلنا ماقالت. كان قلبي يخفق بشده لدرجه انني لم اتمكن حينها من التنفس كنت ابكي واصرخ وارتجف كسعفةٍ تتلاعب بها الريح العاتيه. اذكر انني اختلست النظر لأرى ماسبب كل هذا الرعب المخيف ومن اين تأتي هذه الاصوات ،لألمح طائرات وهي تطلق اشياء سوداء في السماء فتتساقط كالحمم على منطقتنا الحبيبه ( زيونه ). عرفت بعد ذلك ان هذه تسمى صواريخ وان من يسقطها هي طائرات ايرانيه. اغمضت عيني ودفنت وجهي بتراب نخلتنا وانا ابكي..هل سنموت؟ هل سيموت اخوتي وامي؟ماذا عن ابي؟ هو ليس موجوداً معنا بحكم عمله العسكري..هل سيأتي لنجدتنا؟ ام انه يتعرض لما نتعرض اليه الآن.؟ وقتها نسيت خوفي لبرهه وتمتمت لأبي الحبيب بالدعاء ان يحفظه الله ويحميه وان يأتي لنجدتنا بسرعه. قل خوفي قليلاً وتماسكت فأمسكت بيد اخي الصغير علي وحضنته هو ومحمد اخي الاصغر..حينما سمعت صوت امي وهي تردد سوره الفاتحه وتحضننا بقوه . هدء الصراخ بهدوء الاصوات المرعبه لفتره وجيزه مما سمح لامي بأن تمد رأسها من سياج الحديقه لترى الجيران عل احدهم موجود فيهدء من روعها وروعنا ،لتجد عمو ابو قصي جارنه الطيب حاملاً سلاحه وهو يصيح في الشارع ابتعدوا عن النوافذ واخرجو للحدائق تحت الاشجار ثم خبأوا رؤسكم تحت ايديكم.لاتخافوا ..لاتقلقوا.. انتو ابطال.. وبالفعل هدء كل شيء فجأه..ربما ذهبوا ولن يعودوا مره اخرى ربما كان هذا كابوساً احلم به ليس الا..ليقطع بعد ذلك صوت الهاتف ضجيج اسألتي المتصارعه مع بعضها؟ قامت امي مهروله وهي تصيح :هذا ابوكم اكيد ظل باله وديتصل حتى يطمئن..لولو (هكذا كانت تناديني في صغري) ابقي ويه اخوانج ولاتخليهم يتحركون لحد مااجي ..فهمتي ماما.. وفعلت كما قالت لي وتمنيت ان تكون مُصيبةً ويكون المتصل هو ابي حقاً فحينها سأطمئن انه بخير وحي. وفعلا اتت امي مسرعه لتطمئننا:هذا ابوكم هو زين وديطمئن علينا..لاتخافون ماما. ابتعدت الاصوات المرعبه ومن ثم اختفت تماماً..قمنا فعدنا للبيت لانقوى على الحراك من شده الخوف حملت اختي وامسكت بيد اخي محمد وامي حملت علي وامسكت بأحمد ثم قامت بتنظيف الارض من الزجاج المتكسر وبقيت انا اراعي اخوتي لحين اكمالها التنظيف. أتى ابي ليلاً بوقت متأخر على غير عادته..قبلت وجهه واحتضنته .. حمدا لله انه بخير ومعافى .اشكرك ياالله.. خاطب امي بكلمات مقتضبه:حضري ملابسي العسكريه فورا ساعه والتحق ام احمد ..اخذي الجهال لبيت اهلج مؤقتا حتى يراعوكم بغيابي.. ترقرقت عينا امي بالدموع: خير ابو احمد؟؟ -ايران شنت الحرب علينا ولازم نرد وندافع.هكذا اجابها. وبالفعل ذهبت لتُحضر له ماطلب منها بهدوء لا اعلم للآن هل اذعاناً منها ام طواعية بقناعه؟. نظر ابي الي وربت بيده الحانيه فوق كتفي الايمن وقال : لولو حبيبتي .. ديري بالج على اخوانج انتي الجبيره وانتي البطله وانتي بمكاني .. زين بابا؟ -نعم بابا. اجبت وانا مطرقهٌ حزناً رفع رأسي بيده وقبلني وكأنه احس بحزني على غيابه الذي لااعلم كم سيطول .. وقال : لاتبجين .. انتي بنت العراق والعراق مايبجي بابا .. العراق قوي وبطل وشجاع .. بدل الدموع ابتسمي وادعي لبابا وللوطن بالنصر .. وهكذا كُنت .. حسبما اوصاني .. دائمه الدعاء .. حاضرةُ البسمه ..