لهيب عبد الخالق، شاعرةً، يقيمها الشعراء لكني أشهد أنها حفرت في الصخر باظافرها، منذ ثمانينيات القرن الفائت، حتى ارتقت هذا المرتقى الصعب لتنجح في وضع اسمها بين أسماء أهم شاعراتنا عذوبةَ لغةٍ وموسيقىً خاصةٍ بها ومفرداتٍ تعزف بها على نياط القلوب. ولهيب عبد الخالق، صحفيةً، بذلت مجهوداً في الصحافة أكبر من مجهودها في طريق الشعر حتى استحقت أن يُكتب اسمها بين أسماء الصحفيات المرموقات البارعات اللواتي تركن بصمة واضحة في هذه المهنة، ولم يكن ذلك مفاجأة لي ولا لزملائها الآخرين فقد جاءت لهيب إلى الصحافة طموحة متطلعة نهمة تستزيد من فنون الصحافة وخبراتها ومعارفها غيرَ ملتفتة لما سوى ذلك أبداً، مما يشغل فتاة جميلة فتحت عينيها على عالم جديد وتحلم بالظفر بزوج وبيت وأسرة .. كانت لهيب لهيباً من الدأب والنشاط والطموح واختراق الأسوار العصية. ولهيب عبد الخالق في طريقيْ الشعر والصحافة صنعها حبٌ واضحٌ وعشقٌ ملتهبٌ وغرامٌ مفضوحٌ وهيامٌ سافرٌ للعراق وبالعراق، فنذرت لمعشوقها عمرها كله وصاغت له ما يليق من قصائد وكتابات، وثبتت على حبه ذبيحاً مثخناً بالجراح عندما أدار له بعضهم ظهره أو عندما زاده بعضهم الآخر جراحاً وذبحاً، فلم تخذلْ اعتزازي وفخري وأمثالي بها، وعندما اشتعل جنون الطائفية كانت لهيب تقف عند رأس العراق عراقية نبيلة تصيح : ألا من مغيب يغيث هذا الذبيح؟ وما زلت أذكر دموعها الحارة ونحن نترك جريدة الجمهورية والقصف الأمريكي مستمر في آذار العام 1991 لنتجول، في طقس يومي، في شوارع بغداد حتى وصلنا إلى جسر الشهداء وتصاعد بكاء لهيب عندما وجدت أن قنبلة أحدثت في جسم الجسر ثقباً واسعاً. وكتبت لهيب في السياسة بالمهارة نفسها التي كتبت فيها قصائدها وأصبحت مؤلفة لديها كتب تحتل واجهات المكتبات وعملت في الصحافة العربية والعالمية، وكان ذلك كله ثمرةً طبيعيةً لنشاطها الأول ولدأبها في بداية شقها الطريق الصعب. لا يكفي أن نحيي لهيباً لأن أهم من تحيتنا لها أن مجهودها بات مسجلاً في دفتر العراق .. وطوبى لمن سجل في هذا الدفتر حرفاً واحداً، ولهيب سجلت فيه كلمات وجملاً وسطوراً. اعتذر منك لهيب فكلماتي خجلى أمام إنجازاتك، والتمسي لمن لا يعرفك العذر فعذرهم جهلهم، وواصلي طريقك فالعراق يرنو إلى بنيتِه وهي تقتحم مؤسسات وهيئات ومنظمات دولية لتدافع عنه.. وحسبك أنك فعلت شيئاً عندما انكفأ الآخرون .