نتحدث عن مفهومين ومسلكين في الحياة الإنسانية ، تغطي الافراد ، والجماعات والاحزاب ، والدول ، مفهوم غياب العدالة في التصرف والسلوك والممارسة الحياتية اليومية لكل هذه العناصر ، سواء على الصعيد الفردي والسلوك الإنساني ، أو في ممارسة الدول في سياساتها العدوانية ، والسلوك القائم على الخيانة الوطنية أو الخيانة القومية ، وحتى الافراد والجماعات في سلوكياتهم الحياتية الخيانية التي تتجاوز الوطن والمواطنين ، على العكس من المسلكيات الحياتية الشريفة ، التي لا تتجاوز حدود الوطن في التعامل مع أعدائه . فإن تكون ممارسات هذا الفرد أو الحزب أو الدولة بعيدة عن مفهوم العدالة مع الآخر الذي تختلف معهم في الفكر أو الموقف أو السياسة في حدود عدم التعامل مع العدو، فهذه الممارسات لها مؤيدوها وأتباعها ، ولها معترضوها الذين لا يقرونها ، ويرفضون التعامل مع الآخر بغير طريقة عدم استهدافه ، والتخلص منه من باب احترام الرأي والرأي الآخر ، وفي كثير من التفسيرات من باب أن ما تملكه من صواب يحتمل الخطأ ، وما تملكه من خطأ يحتمل الصواب ، فليس هناك من أحد يمتلك الحقيقة لذاتها ، ولا الصواب بعينه . أما الخيانة فلا تجد فيها وجهة نظر ، فهي اعتداء على كل مكونات الوطن ومواطنيه ، والخيانة الوطنية والقومية لا تقرها اية شريعة ربانية أو إنسانية ، لذا فإن من يقترفها لا يمكن مساواته في سلوكه مع أي سلوك آخر نتفق أو نختلف معه ، كغياب العدالة التي أشرنا إليها في التعامل مع الآخر ، فقد يكون الاول نتيجة خطأ غير مقصود ، ولكن الثاني / الخيانة ليست إلا عمل عدواني على الدولة والإنسان ، على الوطن بكل مقوماته ، وعلى الامة بكل أهدافها . غياب العدل قد يكون نتيجة لتغييب الادلة ، ولكن الخيانة أدلتها واضحة ومكشوفة ، فمن لا يستطيع معرفة توجهات العدو وأهدافه ، فالجاسوس على سبيل المثال يعمل بكل وضوح لخدمة العدو ، سواء بمقابل أو بدون مقابل ، ولكنه يقوم باختراق الجدار الوطني ، ويفتح فيه ثغرة لصالح العدو ويؤذي كل مكونات الوطن ، وغياب العدالة قد تقوم دولة بعدم ممارسة العدالة في حق معارضيها ، ورغم فداحة الموقف والسلوك إلا أنه لا يرقى لمستوى الخيانة الوطنية والقومية، فالدولة غير العادلة ليست كالدولة التي تجند امكانياتها بالاتجاه المعادي للأهداف الوطنية أو القومية . بعض الدول تمارس في مواقفها الخيانة الوطنية والقومية في تخابر مسؤوليها مع هذه الجهة المعادية أو تلك ، أو تعاطيهم لخدمة العدو ، وبعض الدول تصدر أحكاماً غير عادلة في حق المعترضين على سياساتها من المواطنين ، فهل يتساوى مستوى عدم العدالة مع ممارسة الخيانة الوطنية والقومية ؟ ، وهل هذا السلوك الخياني يمكن أن يكون في مستوى عدم تحقيق العدالة في الاحكام الصادرة عن مؤسسات هذه الدولة ؟. في السلوك الدولي ليس هناك من سلوك شائن يرقى لمستوى الخيانة الوطنية من قبل الدول أو الافراد يمكن تبريره ، فالخيانة مرفوضة بتاتاً من المواطنين كافراد ، ومن الدولة كمؤسسات ومسؤولين كافة ، ولكن أن تمارس الدولة السلوك العدواني في حق أبنائها من خلال عدم توفير العدالة في التعامل معهم ، فهذ مرفوض أيضاً ، إلا أن القائمين عليه لا يوسمون بالخيانة الوطنية. هناك فرق كبير من مفهوم غياب العدالة وحجم الأثر الذي يتركه غياب العدالة ، ومع الخيانة الوطنية وحجم الضرر الذي توقعه الخيانة الوطنية على الوطن كافة ، من هنا ندين الخيانة ، ولا نقبل أي تبرير لسلوكها على كل الاصعدة ، وفي الوقت نفسه لا نقر عدم شيوع العدالة في التعامل مع الآخر ، فهذا الآخر لم يتجاوز الحدود الوطنية ، في حين أن الخيانة تدوس على الوطن بكل مكوناته ، ولا تقرها لا الشرائع الربانية ولا الإانسانية . قد قيل أقبل بالف ديكتاتور ولا أقبل خائناً واحداً ، فالديكتاتور ضرره لن يتعدى على من تصيبهم ممارساته ، ولكن ذاك الخائن يدوس على الوطن والمواطنين ، ويبيع الجميع لغاية في نفسه ، وهي بالتأكيد أخطر غاية يمارسها الإنسان ، نحارب الخيانة على جميع المستويات ، ونرفض غياب العدالة ، فهناك فرق بين الحرب والرفض . dr_fraijat45@yahoo.com