حكمة الشريعة الأسلامية الحديث الذي القاه سعادة السيد رؤوف الكبيسي مدير الأوقاف العام في راديو العراق مساء يوم الأحد 1 رمضان عام 1358 هجرية ( جريدة الكرخ العدد 486 في 10 رمضان 1358 ) جاء فيه ظهرت انوار الدين الأسلامي الى هذا العالم الذي كان يتسكع في دياجير الظلمات المدلهمة التي كانت تعم وجه البسيطة من أقصاها الى أقصاها , كان الأنسان قبل ظهور الدين الأسلامي مقيدا في افكاره مقيدا في معتقداته مقيدا في سلوكه مقيدا في اموره الشخصية الصرفة فضلا عن الشؤون العامة . لقد طغى الظلم الى حد لا تقبله روح الأنسانية وساد الأستبداد والدكتاتورية البغيضة بين سائر الأمم . ان الأنسان اذا اراد ان يرسم في مخيلته صورة في العالم البشري في ذلك العصر فأنه يجد امامه صورة بشعة مخوفة تهدد كيان الأنسانية بالأضمحلال والتدهور العميق وتدفعها الى الوراء بمسافات شاسعة ولكن العناية الألهية ارادت انقاذ الأنسانية من تلك الحالات المؤلمة فبعثت محمد صلى الله عليه وسلم يحمل بين يديه الكريمتين القرآن العظيم الذي جمع من الفضائل والحكم والأسس القويمة الصحيحة التي لا تقبل التبديل والتغيير والتي تسير بالأنسانية الى عالم النور والهدى فجاء بدين ينبت كل أسسه على الحكم الصحيحة والفلسفة القويمة التي نهضت بالأمة الأسلامية الى ارقى درجات الكمال وأعز معاقل القوة . ان الدين الأسلامي حرر البشرية من قيود الأستبداد والطغيان وأطلق للأنسان عنان التفكير والعمل وأظهر قيمة العقل وحث الناس على استعمل عقولهم في سيرهم في الحياة الدنيوية والآخروية فقال تعالى ( ان في ذلك لذكرى لأولي الألباب ) وجعل للعلم والعلماء مقاما ساميا ومركزا خطيرا في الحياة الأجتماعية فقال تعالى ( هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون ) وقال تعالى ( أنما يخشى الله من عباده العلماء ). ان الدين الأسلامي قد نظم العقائد الصحيحة اولا ثم جاهد جهدا عظيما في تنظيم الحياة الأجتماعية فوضعها مع اساس جعل الناس يشعرون بالأخوة والتعاون فيما بينهم فهو أول من وضع علم الأجتماع بالمعنى الصحيح وان المسلمين هم أول من دونوا علم الأجتماع كعلم بذاته فهذا ابن خلدون المسلم العربي هو الذي استعان بقواعد دينه وخبرته المستمرة من توغله في التفكير على وضع علم الأجتماع وتأسيس قواعده ولو اردنا التوسع في هذا المقال لأستغرقنا زمنا طويلا لا يسمح لنا المجال بأستيعابه . كانت الأمم قبل ظهور الدين الأسلامي اعداء فجعلهم الله اخوانا ٌ قال تعالى ( انما المؤمنون أخوة ) وكان الناس عبيدا لبعضهم فأصبحوا احرارا متساوين في الحقوق المدنية السياسية فقال تعالى ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) وفي كل الحقوق لا يمتاز بعضهم على بعض بالكرامة عند الله الا بالتقوى . ان الدين الأسلامي قد فرض امورا تعبدية قد يظن الجاهلون من الناس انها وضعت عفوا غير ان العاقل المتأصل لا يلبث ان يجزم جزما قاطعا انها لم تفرض الا لحكمة عالية تفيد الأنسان في شؤونه الدنيوية والآخروية من ذلك الصوم فأنه لم يشرع الا لحكمة عظيمة سامية الا وهي تهذيب الروح وقوة الأرادة وضبط النفس وهذه الأمور الثلاثة هي أثمن جوهر في الأنسان فليس القصد من الصوم مجرد النظر الى منع الأنسان من الأكل والشرب كما يتصوره كثير من ذوي النظر القصير . ان الغاية القصوى الملحوظة للنظر في فرضية الصوم هي تكوين غريزة الصبر في الأنسان والصبر مفتاح الفرج والصابر المتأمل هو الغالب في كفاح الحياة قال تعالى ( ان الأنسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وكذلك في حكم فرض الصلاة والحج والزكاة فأن الصلاة المتكررة خمس مرات في اليوم تعود الأنسان على الطاعة والأنتظام في العمل واذا ما كان كل فرد من الأمة مطيعا لقوانينه منتظما في اعماله كانت الأمة قوية الجانب منيعة الأطراف وأما الحج فالغاية منه تكوين مجتمع اسلامي وبعبارة اخرى تأسيس عصبة امم اسلامية تبحث في شؤونها وامورها الداخلية والخارجية وهل في حياة الأمة الأجتماعية أهم وأعظم من هذا المغزى وأما الزكاة فهي من أهم اسباب انقاذ البشرية من الضياع والتشرذم الأسري .لقد شرع الأسلام الزكاة لحماية البشرية من خطر القروض المالية التي تهدد مجتمتعاتنا بالضياع . ان الأسس العالية في الحياة الأجتماعية للأمم انما وضعها الأسلام قبل ان تظهر أفكار قادة الرأي في اوربا بل يمكن ان اقرر ان ما يرمي اليه المصلحون من الأمم الديمقراطية في اوربا من القواعد والأسس في حفظ حقوق الأنسان انما استقوه من منبع الشريعه الأسلامية . ان امعان النظر بمحتوى هذه الكلمة ستجد انها كانت فكرة او مجموعة افكار عن الدين والمجتمع والفرد تؤكد وربما تدعو ايضا الى عدة رؤى ومعاني تصب في توضيح اصول العبادات في علاقتها مع الخالق والمخلوق وهي ترى 1 . عندما جاء الأسلام كانت الأمم بمجموعها تعيش في فوضى وتخلف وظلام وكانت تتحكم في سلوكيات الأفراد أفكارونظم مقيدة لحركاتهم سالبة لحرياتهم حتى جاءت الدعوة النبوية الشريفة فانقذت العالم من الظلم والأستبداد وبثّت للأنسانية الأمل من جديد بفضائل الشريعة وحكمة الدين لتنطلق الأنسانية في فضاءاتها علما ونورا ورؤى نظمت الحياة الأجتماعية ورسخت قيم الفضيلة وأوجدت أجوبة شافية لجميع مشاكل المجتمع ورسخت قواعد مهمة للنظر الى المستبقل واستحقاقاته . 2 . ان العبادات لا تقتصر على الصلاة والزكاة والأذكار رغم أهميتها ( ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخروالملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأسآء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون . صدق الله العظيم /سورة البقرة آية 177 ) بل هي تعاليم واضحه لأفق أوسع قائم على الأهتمام بتهذيب النفس وصلاح النية وزرع بذور التعاون والمحبة بين الناس وحسن الأداء فالعلاقة بين الفرد وأخيه هي المحطات التي توصل الفرد الى ان ينال رضى الله حتى ان الصلاة والزكاة شرعت لبث روح التعاون والتكاتف والمحبة والأيثار بين افراد المجتمع لتحقيق التوازن الأقتصادي والرضى وبالتالي حفظ المجتمع من الجرائم الأجتماعية بأزالة الفوارق بين الناس ومحو أسباب الحقد والكراهية. 3 . الأسلام سبق الأمم الأخرى في مجال حقوق الأنسان وحرياته وشرعه الحنيف احتوى على مبادئ سامي جليلة حفظت للفرد والمجتمع حقوقهما المدنية بالتوفيق بين متطلبات الأرض وشريعة السماء حتى ان أغلب الفلسفات القانونية والتشريعية التي قامت عليها الحقوق المدنية في اوربا هي ذاتها التي جاء بها شرعنا الأسلامي الحنيف . 4 . ورد في الحديث مقترح واضح ربما لم يسبقه أحد فيه عندما دعى الى اقامة عصبة أمم اسلامية تهتم بشؤون الدول الأسلاميه الداخلية والخارجية وتدعم قضايا الدين والشريعه ومتطلبات الحياة والمجتمعات الأنسانيه للمسلمين وطموحاتهم وآمالهم حيث أكد على أهمية هكذا مشروع في حياة الأمة ومستقبلها وربما سبق بدعوته هذه انشاء منظمة المؤتمر الأسلامي سابقا ( منظمة التعاون الأسلامي حاليا ) والتي تأسست في 25 أيلول من عام 1969.