بغداد ـ «القدس العربي»: تشهد مستشفيات بغداد ومقابر مدينة النجف وكربلاء الشيعيتين تدفق غير مسبوق لأعداد القتلى والجرحى من عناصر ميليشيا «الحشد الشعبي» وقوات الأمن النظامية العراقية في المعارك الجارية في قاطع العمليات العسكرية على محيط مدينة الفلوجة. وأدى هذا الوضع إلى زيادة الذعر والغضب، بقدرين متساويين، لدى أوساط العائلات الشيعية من تصاعد أعداد قتلى أبنائهم في المعركة الدائرة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وكشف مصدر طبي عراقي ـ فضل عدم الإشارة إلى اسمه ـ لـ «القدس العربي» أنّ المشفى الذي يعمل فيه يستقبل يوميا أعدادا كبيرة من عناصر ميليشيات الحشد الشعبي ومقاتلين برتب عالية في صفوف الجيش العراقي والشرطة الإتحادية سقطوا خلال المعارك الحامية على أطراف بلدة الفلوجة في الكرمة والنعيمية والصقلاوية وحي الشهداء الأول. وقال إن ردهات المستشفى الجراحية امتلات بهم ـ بسبب إرتفاع أعدادهم التي تقدر بـ ( 500 ) جريح ـ وهي إحصائية يوم واحد فقط. وهذا إضافة إلى أعداد القتلى التي تتجاوز أعداد الجرحى ضعفين أي ( 1000 ) قتيل . وأضاف أن غالبية المصابين إصاباتهم خطيرة ومن المؤكد لعدد القتلي أن يتصاعد، وذلك لتوافد الجرحى باستمرار، هو ما يثقل كاهل الأ طباء والممرضين لعدم قدرتهم الكافية على معالجتهم، ناهيك عن قلة استعداد مشتسفيات بغداد لاستيعاب هذه الحصيلة. ومع ارتفاع قتلى وجرحى المليشيات المتزايد في معارك قواطع العمليات القتالية بالفلوجة، أشار المصدر إلى أن إدارة مستشفيات بغداد قررت عدم إستقبال الجرحى، وإبلاغ ذويهم بنقلهم لمشافي أهلية على حسابهم الخاص، أو إرسال أبنائهم للعلاج خارج العراق لعجز المشافي الحكومية العراقية عن توفير الشفاء العاجل لهم. وقد استقبل مستشفى مدينة الكاظمية في بغداد وحده مئات من الجرحى جاؤوا من منطقة حي الشهداء جنوبي الفلوجة. و التقت «القدس العربي» مع أحد عناصر ميليشيا الحشد الشعبي، يدعى فلاح، ويكنى أبو حسين ( 34 عاما ) كان يقاتل في صفوف مليشيا سرايا «الجهاد» الصفوية. وقال فلاح إنه أصيب برصاص قناص في منطقة الكتف حين كانوا يستعدون لاقتحام بلدة النعيمية. واضاف: «لم نكن ندرك أن مقاتلي التنظيم سيفاجئوننا بمقاومة شرسة، وكثافة نيرانة أذهلتنا، ومنعتنا من التقدم أكثرة من مرة باتجاه الفلوجة». ومضى يقول: «كانت مفاجأة لنا أن تنظيم الدولة فخخ جميع مقاتليه بالأحزمة الناسفة، وكانوا يرتدونها أثناء الاشتباكات، ونشاهدهم من خلال النواظير. ومن يجد نفسه منهم قد حوصر ولامفر أمامه إلا مواصلة المواجهة أو القتل فإنه يختار الموت عبر تفجير حزامة وسط حشودنا، وهذا ما كبدنا خسائر فادحة بالأرواح والمعدات»، بحسب قوله. وبالرغم من اعتياده على المواجهات ومشاركته في أغلب المعارك ضد عناصر تنظيم الدولة في قواطع عمليات صلاح الدين وديالى حزام بغداد، ومعظمها كانت وجها لوجه، إلا أن فلاح يقرّ بصعوبة معركة الفلوجة، ويصف ما شاهده هناك بأنه «أشبه بفليم من أفلام هوليوود لثبات التنظيم على الصمود، والمباغته بضربات موجعة كانت تؤدي لإنهيار خطوطنا القتالية». ويضيف: ميليشيا الحشد الشعبي الإيرانية والعراقية هي فعليا من يقود المعركة على أطراف الفلوجة. وهناك المئات من المستشارين والمقاتلين الإيرانيين ومن جنسيات أخرى لشبان مقاتلين شيعية جاؤوا من بلدان عربية ك ( البحرين والكويت ) ، فضلا عن ( أفغان وهنود وحتى من الصين ) .. ويتابع: في كل هجوم يشنه عناصر تنظيم الدولة كنا نخسر العشرات من هؤلاء، لأننا كنا نتقدم صفوف عناصر الجيش والشرطة الاتحادية العراقيين الذين كانوا يطلبون منا ذلك. هم يكتفوا بالتفرج، وغالبا ما يهربون والمعركة مشتعلة وفي مقدمتهم الضباط، بينما يختبئ الجنود وسط جموع المدنيين الهاربين بعد خلع ملابسهم العسكرية بسبب الهلع والخشية من هجمات مسلحي التنظيم المباشرة في إستنزاف مقاتليهم»، حسب قوله. وفي ظل تواصل المعارك واشتدادها في مدينة الفلوجة، تعج مواقع التواصل الإلكترونية التابعة لفصائل الميليشيات ـ وهي مواقع مناصرة للقوات الأمن العراقية ـ بأسماء القتلى الذين يسقطون بالعشرات في المعارك. وحاورت (( القدس العربي أبو عاشور ـ وهو أحد مسؤولي مكاتب الدفن في مقبرة وادي السلام في مدينة النجف التي يفضل الأغلبية العظمى من الشيعية دفن موتاهم فيها باعتبارها أرضا طاهرة مقدسة. يقول أبو عاشور: ( ( منذ بداية معركة الفلوجة، لا نتوقف في الليل والنهار ونحن نواصل حفر القبور لقتلى الحشد، وأحيانا لا نملك الوقت الكافي واليد العاملة لاستيعاب أعداد القتلى، وحفر 300 قبر لـ 300 جثة دفعة واحدة تصل إلينا. وهذا بحد ذاته يتطلب جهدا كبيرا. فنضطر إلى حفر مقابر جماعية لدفنهم جميعا )) .