في الخامس من حزيران من العام 1967م, شهدت الساحة الفلسطينية حلقةً أخرى من فصول الكارثة البشعة والجريمة المنظمة والمؤامرة الاستعمارية المتواصلة التي وقعت جلها بحق الشعب العربي الفلسطيني , ونكسة تالية مضافة للنكبة الكبرى ( أم النكبات ) وما رافقها من جرائم الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي والتهجير ألقسري والفصل العنصري ( الأبرتهايد ) , وكذلك مسلسل القتل اليومي والإعدام الميداني وشهداء الأرقام والمقابر الجماعية, والحبس القهري في باستيلات العدو فيما يشبه تماماً أوشفتزات النازية البغيضة,وتكون بذلك قد اكتملت فصول المؤامرة الكبرى بحق شعب أعزل إلا من إرادة الحياة والبقاء ,وبحق الأمة العربية الزاحفة نحو الاستقلال الناجز والإنعتاق من نير الاستعمار والاستغلال والرجعية والتبعية والذيلية, ونحو النهوض والتقدم والازدهار,وهذه العوامل شكلت في ذات الوقت هزيمة أخرى ونكسة كبرى للأمن القومي العربي ولجيوش العرب قاطبة, والتي كان لها تداعياتها وانعكاساتها المباشرة والفورية على الحالة العربية ,وكان من نتائجها السريعة سقوط العديد من الأنظمة العربية المسئولة عن نكبة الشعب الفلسطيني ونكسته,وكانت نقطة البداية في هذا التحول الدراماتيكي قد انطلقت شرارتها الأولى من العراق الشقيق في ثورة تموز المجيدة,لتكون بمثابة الرد المنطقي على هزيمة العرب في فلسطين ,ورداً قومياً ثورياً عميقاً وشامل على حالة الترهل والضعف والتخلف والتفكك والتبعية,وفي رحاب تلك الثورة انطلقت رحلة البناء القومية الحضارية وتحقق معها عديد القفزات النوعية والفريدة في شتى الميادين العلمية والتكنولوجية وفي المقدمة منها العلوم العسكرية التي أهلت العراق فيما بعد من تبوء مركز الصدارة عالمياً, والتربع على عرش القوة العسكرية الأولى في منطقة الشرق الأوسط,هذه المكانة التي عُزّزت بانتصار جيشه الباسل السريع والساحق على الآلة العسكرية الصهيونية على مشارف العاصمة السورية- دمشق- في حرب أكتوبر عام 1973م,والتي أستعاد خلالها العرب نشوة الانتصار والاقتدار بالرغم من الملابسات العديدة المحيطة بتفاصيل تلك المعركة وأهداف الممسكين بتلابيبها ونتائجها ومئالاتها. وهنا لا يغيب عن بالنا سلسلة الانتصارات الباهرة التي حققها العراق في مختلف الميادين والجبهات أدت في المحصلة النهائية إلى تبلور مؤامرة دولية استعمارية جديدة تستهدف العراق وقوته الحاضرة بزخم في تفاصيل المنطقة وقضاياها المصيرية , تلك المؤامرة التي أطاحت فيما بعد بتلك التجربة القومية الفريدة وتسببت في انتكاسة جديدة للعرب أعقبها سلسلة نكسات ونكبات حلت ضيفاً ثقيلاً على الواقع العربي برمته. ومع مرور تسعة وأربعين عاماً على نكسة العرب في فلسطين لازال الشعب الفلسطيني يدفع معها ويلات الألم والمعاناة ويكابد عذابات اللجوء والتشرد والقهر وجرائم الاحتلال المستمرة حتى بلغت الذروة في التهويد وتسريع وتيرة الاستيطان ومضاعفة جرائم القتل والإعدامات اليومية وحواجز الموت المنتشرة على مداخل كل قرية ومدينة,وكذلك الزج بثلث الشعب الفلسطيني في أتون سجون الفاشية الصهيونية المنتشرة على طول وعرض الأراضي العربية المحتلة ,ودون أدنى مراعاة لحقوق الإنسان التي كفلتها كافة الشرائع والمواثيق الدولية الخاصة بأسرى الحرب ,إضافة لاعتقال المئات من الأطفال القاصرين والنساء اللواتي لا حول ولا قوة لهن, وعشرات الأسرى المصابين بالأمراض الخطرة جراء الإهمال الطبي المتعمد. كل ذلك يجري بحق شعبنا في الوقت الذي تستمر فيه تبعات ما يسمى بعملية التسوية السلمية التي انطلقت قبل أكثر من عشرون عاما, والتي أرادها الاحتلال مقبرة للقضية الفلسطينية وغطاءً لتمرير كافة مشاريع التهويد والاستيطان والطرد الممنهج والقتل المبرمج والمستمر بحق شعبنا منذ النكبة وحتى يومنا هذا. وفي ظل هذه الذكرى الأليمة على شعبنا وأمتنا وبموازاة ما يجري على الساحة العربية من انهيار شامل في منظومة الأمن القومي العربي ,وأمام جملة هذه العوامل المحبطة لا يسعنا إلا التأكيد على حتمية الانتصار والتحرير من خلال مواصلة مشوار الكفاح الشعبي والمقاومة بكافة أشكالها ضد الاحتلال وجملة ممارساته النازية والفاشية والعنصرية ,والعمل بشكل دؤوب على إحياء فكرة الجبهة العربية الشعبية المساندة لنضال الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير والعودة والتشبيك مع كافة القوى الشعبية العربية الثورية والتقدمية على قاعدة الشراكة النضالية في مواجهة القوى الامبريالية والصهيونية العالمية والرجعية العربية ممثلةً في النظم الديكتاتورية وقوى الاستغلال والتفرد والاستحواذ ومعها كل القوى الشعوبية والطائفية المقيتة..وصولاً نحو اّفاق المستقبل العربي المفعم بالحرية والديمقراطية وقيم العدل والمساواة وعوامل القوة والاقتدار وروافع النهوض والتقدم والازدهار..وعلى طريق دحر الاحتلال وكنس الاستيطان والاستعمار والاستغلال وكل ما يعيق وحدتنا وتحررنا ,وكذلك النهوض والتقدم بواقعنا نحو المستقبل الزاهر حيث ينعم أبنائنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة بالأمن والسلام والحرية في ظل الدولة العربية الواحدة والديمقراطية من المحيط إلى الخليج ,وبعد استعادة كامل الأراضي العربية السليبة والمحتلة وفي المقدمة منها فلسطين قضية العرب المركزية.