رغم حالة الغليان الشعبي والاجتماعي القائمة في العراق، تتواصل الاجتماعات داخل أروقة المنطقة الخضراء، وتجري الترتيبات والاتفاقات على إتمام الصفقات الحالية بين الإدارة الأمريكية وحكومة حيدر ألعبادي من جهة، والحكومة الإيرانية وممثليها من جهة أخرى ، وهناك من التعهدات قد تسربت إلى مصادر موثوقة وصلت إلينا من داخل أروقة الحكومة العراقية، ومنها ما تسرب بشكل مقصود على السنة وتصريحات ناطقي وزارة الخارجية الأمريكية والمتحدثين الإعلاميين الرسميين للبيت الأبيض، ومنها أفكار وتعليمات حملها نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن وبلغها إلى المسئولين العراقيين في رحلته الأخيرة إلى بغداد في الأسبوع الماضي. ويحرص الجميع على استغلال الوقت المتبقي من عهدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حتى 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ، موعد الانتخابات الرئاسة الأمريكية، للحفاظ على بقاء الحكومة العراقية الحالية ، بأي شكل من الأشكال، وضمان استمرارها من دون تغيير جذري يذكر، على أن تجري عليها بعض التعديلات الطفيفة والشكلية. و تجري عليها هذه الأيام اللمسات الأخيرة مع رتوش واضحة للمحاصصة الطائفية تحت غطاء تشكيل حكومة التكنوقراط. يصر الأمريكيون، ومعهم الإيرانيون ، على بقاء الحكومة العراقية الحالية برئاسة حيدر ألعبادي، وسيعمل الأمريكيون والإيرانيون معا ، كل من جهته ، على منعها من السقوط، ويتم ذلك بضمانات إيرانية ودولية وإقليمية، ملتزمة بدعمها اقتصاديا ومدها بالقروض، لإنقاذها من السقوط بسبب الوضع الاقتصادي المفلس لها. وعلى المستوى الأمني يجري دعم الحكومة العراقية بمساعدات لوجستية واضحة من قبل القوات الأمريكية ودعم القواعد الجوية في المنطقة ، وبريا يحميها أنصار وأتباع النظام الإيراني، المتمثلة في مليشيات الحشد الشعبي والقوات التابعة لفيلق بدر والعصائب وحزب الله العراقي وسرايا الخراساني وغيرها من المليشيات المرتبطة بفيلق القدس بإشراف مباشر من قاسم سليماني، مع إبقاء حالة الصدام مع داعش شكليا ، على أطراف الفلوجة والرمادي والموصل وكركوك والحويجة وبيجي ومحيط مدينة الموصل، حيث تبقى الأمور على شكل كر وفر من دون حسم نهائي، حتى انتهاء عهدة الرئيس باراك اوباما ومجيء هيلاري كلنتون إلى مقاليد السلطة بعد فوزها المرتقب . ولا يستبعد المراقبون والاستقراء من معطيات الوضع الجاري في العراق أيضا أن يبقى هناك هامش ما لجماعة مقتده الصدر للعب بدور معين في تهميش وإضعاف الاحتجاجات الاجتماعية والتظاهرات الشعبية وتمييع مطالبها القاضية بمحاكمة رموز الفساد وملاحقة بعض القضايا المطلبية التي يثيرها الإعلام وقطاعات من المحتجين ، وتستمر خلق حالات من التوتر بالاستهدافات الأمنية وتواصل التفجيرات الدموية التي تطال محافظات ومناطق معينة في بغداد لتصعيد التوتر الطائفي وخلق أجواء من عدم الثقة بين العراقيين. كما تم الاتفاق على القبول بالتعديل الوزاري الذي تم بعد الأحداث الأخيرة الذي شهدها مجلس النواب بتمرد عدد من نواب الكتل عضد رؤسائهم ، وكان التعديل قد شمل وزارات التعليم العالي والموارد المائية والكهرباء والصناعة والمعادن، تمت خلسة وبطريقة أشبه بالاختلاس التشريعي ، وتمت استقالة محمد شياع السوداني، الذي كان يدير وزارتي التجارة والعمل ، ومحسوبا على التحالف الوطني، في الوقت الذي كانت تجري فيه الإشادة بسمعة عدد من الوزراء وعدد من رموز الفساد ووزرائهم بمقالات وأخبار مدفوعة الثمن إعلاميا، منها مثلا، عندما اختارت منظمة وانس الايطالية محمد شياع السوداني، كوزير نزيه وله أيادي بيضاء على الحكومة، رغم تأريخه الدموي المعروف ؛ منذ أن ترأس وزارة حقوق الإنسان والعدل وغيرها ، وتستر على الجرائم التي ارتكبتها حكومات المالكي والعبادي على نطاق واسع، ومع كل هذا التاريخ الأسود اعتبرته المنظمة المذكورة كأفضل وزير في حكومة العبادي غير المستقيلة بعد . والطريف قالت تلك المنظمة في تقرير لها ، وكما تم الترويج له إن : " محمد شياع السوداني يعد أفضل وزير في الحكومة الحالية ؛ لاسيما وهو يدير وزارتين في آن وأحد ، هي التجارة والعمل، وكلاهما في احتكاك مع المواطن؛ فالأولى مع غذاء العراقيين ، والأخرى مع عملهم" ... كما جرى التستر على فضائح كل الوزراء الفاسدين الذين تلاحقهم اللعنة الشعبية، وخاصة حسين الشهرستاني وباقر صولاغ ، وبهاء الاعرجي وصالح المطلك ،وإبراهيم الجعفري، وعادل عبد المهدي، وغيرهم كثيرون. كما يجري الهاء الناس في العراق خلال هذه الفترة بإبقاء وجود ما يسمى "صراع شيعي شيعي " ظاهري، مُسيطر عليه ، إيرانيا، تقوده وتشرف عليه الأجهزة والمخابرات الإيرانية بالتعاون مع المرجعيات، مع استمرار الترويج إلى أخبار الصدامات الطائفية وإذكاء الفتن من خلال الإعلام المدفوع الثمن، و بغياب مؤسسات العدالة والمحاكم وسلطة القانون واستمرار التفجيرات الإجرامية في مختلف مدن العراق تستهدف الأبرياء . إن فلسفة الدعم الأمريكي لحكومة حيدر ألعبادي وحمايتها أمريكيا وإيرانيا تنطلق من رؤية الإدارة الأمريكية الحالية، وحرص الرئيس باراك اوباما على إبقاء الأمور على حالها ،وهو الذي يرى إن سقوط الحكومة العراقية الحالية سيشكل تهديدا وسقوطا مدويا لسياسته ولحكم الحزب الديمقراطي في عهدتين متتاليتين، وسقوط ألعبادي، حسب الرؤية الأمريكية، هو مؤشر لفشل التعاون الأمريكي الإيراني معا في العراق، وسقوط حكومة ألعبادي، ستؤثر أحداثها، لا محالة ، على نتائج الانتخابات الأمريكية المتوقعة لصالح هيلاري كلنتون، لكونها مرشحة الحزب الديمقراطي. وتشير التوقعات أن لها حظوظ الوصول إلى الرئاسة الأمريكية، خلفا لباراك أوباما ؛ لذا يجري التخطيط والتنسيق مع الحكومة العراقية والإيرانية على إبقاء الوضع من داعش معلقا إلى وقت آجل، وسيبقى على وضعه الحالي من دون تغيير جذري، حتى تستلم هيلاري كلنتون منصبها في الرئاسة الأمريكية، نهاية هذا العام 2016 . ويخطط منذ الآن أن تبدأ عهدتها الرئاسية في تحقيق انتصار عسكري استعراضي مدوي على داعش وتقدم نفسها للشعب الأمريكي وللعالم كمنقذة ومحررة للعراق وشعبه ، بعدها تشرع الإدارة الأمريكية بتغيرات ملموسة في صلب العملية السياسية في العراق، بما فيها تعديل الدستور، وجر أطراف من المعارضة العراقية المرتبطة بجهات إقليمية معروفة إلى المصالحة الوطنية مع حكومة العملية السياسية وفق شروط أمريكية وإيرانية وإقليمية، تصاحبها تغيرات إقليمية متوقعة على ضوء الالتزامات الأمريكية الإيرانية في العراق وسوريا وبقية دول المشرق العربي. لذا من المتوقع أن يجري مثل هذا الالتزام حتى موعد الانتخابات الأمريكية المرتقبة في 8 نوفمبر 2016 ولم تخف الحكومة الأمريكية اوباما نفسه حرصها على التأكيد على ذلك عبر العديد من التصريحات الصحفية بأنها تعمل على إبقاء وضع الحكومة العراقية الحالية مستقرا، وترى أن الوضع في العراق مستقر نسبياً، ويمكن دعمه اقتصاديا بالقروض من صندوق النقد الدولي والمساعدات الدولية، رغم الهزات الحالية وتردي الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية، حتى يتسنى للمرشحة الأمريكية القادمة للبيت الأبيض هيلاري كلنتون القيام بأول انجاز رئاسي لها مبتدئة بتحرير الموصل والتخلص من المليشيات الطائفية، وتعلن نيتها تحرير العراق من داعش وتثبت وجودها سياسيا في أمريكا والعالم، باعتبارها السيدة الأمريكية الأولى التي وصلت إلى السلطة حاملة القبضة الحديدية .