سعي « العرب »، وهمهم الأكبر، وهدفهم الأخير، وحلمهم المدغدغ، ومثالهم الأعلى، أينما كانوا، وكيفما كانوا، وحيثما كانوا، هو الوحدة، « الوحدة العربيّة تحت شكل دولة عربيّة واحدة هي المثل الأعلى للأمّة العربيّة » (1). هذه الوحدة، إن لم تكن اليوم، فستكون بنظرهم غداً أو بعد غد. لأنّ مقوّماتها وعناصرها موجودة وما تزال. ولقد « اتفق كثير من العلماء على أهميّتها كمقوّمات للقوميّة. وهي: اللغة، الوحدة التاريخية، وحدة الجنس، الوحدة الجغرافية، التكامل الاقتصادي » (2). وهناك أيضاً مقوّمات أخرى يجب ألاّ تغيب عن البال، اختصرها علي ناصر الدين بقوله: « للعروبة تقاليد وعادات واحدة، مثل قضيّة الضيافة، وقضيّة العرض، الذي يقدّسونه جميعاً، وقضيّة تفاخرهم بالشجاعة والعفّة والكرم والنجدة وحماية الجار والوفاء.. وقضيّة أخذهم بمشيئة كبرائهم.. والإحساس الوجداني الأصيل » (3). هذه كلها بالنسبة إليهم تؤلف عادات واحدة في مصر والسودان والجزيرة العربية والمشرق والمغرب في موريتانيا واريتريا والصومال، وفي كل مكان من « العالم العربي ». وبسببها أعلن المفتي حسن خـالد للموفـد الأميركي دين براون في 3/4/1976: « إنّنا « ننظر إلى البلاد العربيّة من المحيط إلى الخليج على أنّها بلد واحد » (4). والحقيقة، « إذا كان للوحدة أن تقوم فلن تقوم وتبقى وتعمل إلاّ لأنّ الشعوب العربيّة ما زالت أصيلة. أعني: ما زالت تنظر إلى نفسها وإلى الوجود نظرة خاصّة تميّزها عن عالم الانعزاليين » (5). وهذه « النظرة الخاصّة » تقضي بـ« أن لا صمود، ولا إنجاز للعروبة، ما لم تهتدي إلى ذاتها، وأن لا هداية إلى الذات العربيّة إلاّ بالوحدة العربيّة » (6). أمّا « الانعزالية، (فهي) لدى القريب أو الغريب، كل موقف حذر، أو مشكك، أو معاد، تجاه العمل على انصهار المجتمع العربي في وحدة وثيقة، وامكان مثل هذا الانصهار وضرورته » (7). والانعزالي هو كل عربي مسلم لا يحقّق في نفسه حلم الوحدة. ومن لا يسعى إلى تحقيق ذلك فهو عدوّ الأمّة العربيّة لا محالة. وقد يكون الانعزالي أخطر على الوحدة من الغريب، لأنّه عدوّ داخلي.