إن أول ما يجب أن نتبينه هو الفارق بين حزب البعث العربي الاشتراكي وبين الأحزاب السياسية الأخرى التي نشأت وبقيت أحزابا سطحية تعالج شؤون امتنا بشكل جزئي وسطحي . أن ما تنتظره أمتنا هو البعث ، فالبعث هو التجدد من الداخل ، هو الثورة التي تبدأ في النفس قبل المجتمع ، هو الانقلاب على السجايا الدنيئة في الإنسان قبل الانقلاب على الأحوال الفاسدة القائمة في مجتمع بلادنا . البعث هو توحيد الشخصية العربية قبل توحيد الأمة العربية ، وكل من يدعي البدء بالعكس وان مشكلتنا ليست سوى مشكلة خارجية هي توحيد بلاد وأقطار وإيجاد نهضة لها ، أنما هو بمثابة الدجال أو الجاهل . فلا يمكن أن يتحقق انقلاب خارجي في المجتمع ما لم يسبقه انقلاب داخلي نفسي ، وما لم يؤد هذا الانقلاب إلى تحقيق نفسه في المجتمع . رسالة لا سياسة : وبهذا المعنى ليس حزب البعث حزبا سياسياً فقط ،ومنذ نشوئه قال القائد المؤسس الله يرحمه أحمد ميشيل عفلق يصفه بكلمته المأثورة ( رسالة لا سياسة ) ، رسالة قومية تقوم على مبادئ القومية العربية التي لا يمكن أن تنهض أمتنا إلا عليها وعليها وحدها .. الوطنية والقومية التي تحل محل الرابطة العائلية والطائفية والعشائرية والإقليمية . فليس من بعث ولا نهضة قطرية فقط ، أنما البعث هو البعث العربي .. أن نرفع مستوى السياسة إلى المستوى القومي إذ لا يمكن إن يتم شيء في هذه البلاد إذا لم نرتفع إلى هذا المستوى . دعوة موحدة : فحزبنا يمكن إن نسميه دعوة قائمة على التوحيد القومي وعلى محاربة كل ما يعرقله ، فنحن حرب على الطائفية والعشائرية والقطرية . وإذا كنا حربا على الإقطاعية والرأسمالية فلأنها هي التي تهبط بالمستوى القومي وتريد إبعادنا عن المستوى العربي الراقي . ولبلوغ هذا المستوى مستوى التوحيد القومي ، حدد حزبنا أهدافه الثلاثة فقال بالوحدة العربية والحرية والاشتراكية ، وربط بعضها بالبعض الآخر دون تفريق ، وعرف الناس بأنه لا يمكن إن يتم هدف من هذه الأهداف ما لم يرتبط به الهدفان الآخران ، فنحن نؤمن بأنه لن تكون وحدة دون حرية ، ولن تكون حرية من غير الاشتراكية ، ولن تكون الاشتراكية من غير حرية ووحدة عربية . ارتباط الأهداف الثلاثة : وهذه الأهداف الثلاثة يجب أن تمشي جنبا إلى جنب لأنه إذا سبق أحداها الهدفين الآخرين ضللنا عن الطريق ودخلنا في طريق الطغيان ، فالوحدة قد تخيف لولا أن فيها روح الحرية ، والحرية قد تخيف وتميع لولا فيها اشتراكية . وقوميتنا ليست بالقومية العنصرية ، مادامت الحرية فيها أساساً ومرتكزاً ، فهي بطبيعة الحال أذن متصلة بالوجدان الإنساني الذي لا يمكن أن يكون إلا في صدر الإنسان الحر ، والحرية لا يمكن أن تكون أكثر من لفظ أذا لم تتحقق المساواة بين الأفراد ، فأنا الفقير أعيش إلى جانب الغني ، فكيف يستطيع أحدنا أن يدعي ان كلينا حر ، وأن هذين الشخصين يعيشان بظروف واحدة ويتمتعان بالحقوق نفسها ؟ فالاشتراكية أذن عنصر أساسي في الحرية الحقيقية ، والحرية الحقيقية هي ، في الوقت نفسه ، طريق سليم وصحيح لتحقيق الاشتراكية ولذلك نجد الأهداف الثلاثة مقترنة دوما في شعار واحد : وحدة حرية اشتراكية . لا مساواة بين الاحزاب : فنحن نفتخر بأن حزبنا يختلف اختلافاً نوعياً عن الاحزاب الأخرى . لانه الحزب الوحيد الذي يريد أن يدخل في مجتمعنا الراكد الفاسد روحا جديدة تبعث الأمة من رقادها وتحركها في طريق النهضة والتقدم . حزبنا يريد أن يدخل في مجتمعنا الراكد حياة جديدة لا يمكن ان تكون الا عن طريق بعث داخلي وثورة داخلية . الاستعمار تخريب ، والرجعية كذلك ، والاقلمة تهدم الوطن والأمة ، وحزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب بناء وتقدم وتطور . علاج جذري : الحقيقة هي أن أمتنا لا يمكن أن تنهض عن طريق الاصلاحات الجزئية أو السياسية ، بل يجب أن ننظر الى مرضها نظرة شاملة ونضع له علاجا جذريا ، والا فالمحاولات كلها عقيمة . وما يقال عن توحيد البلاد العربية وعن طرد الصهاينة وتفكيك كيانهم لن تكون أكثر من شعارات وكلام . فقبل أن تتوحد نفوسنا ، لا يمكن أن توحد أمتنا ، وقبل أن نوحد أمتنا لا يمكن في يوم من الايام أن نطرد الاستعمار . فحزبنا ينشر هذه الدعوة بين جماهير الشعب ، والحزب باق لافهام الشعب لانه آمن أنه من دون أن يعي الشعب حقيقة مرضه والدواء الذي يصفه حزبنا لهذا المرض ، فلن يستطيع حزبنا أن يفعل شيئاً . والحزب باق لافهام الشعب حتى يحقق بيده ، لا الحزب وحده . هذه مباديء حزبنا الوطنية والقومية التحررية لبناء امة عربية جديدة ، فكيف يستقم هذا مع الإقليمية البغيضة ، كيف نحقق نهضة بالطائفية والمناطقية ، أنما البعث هو البعث العربي ، أن من واجبنا دائما أن نقف بوجه مّن يريد تشويه حقيقة البعث الرسالي .