روّجت الاستخبارات الإيرانيّة الفارسيّة أمس 25 أفريل - نيسان 2016 خبرا مفاده كشفها عن إعداد تنظيم داعش الإرهابيّ لمخطّط إرهابيّ كبير يستهدفها انطلاقا من مدينة الرّقّة السّوريّة ، وأعلنت أنّ التّنظيم وضع اللّمسات الأخيرة على درب تنفيذ هذا المخطّط. ورغم خطورة هذا التّقرير على فرض صحّته، فإنّ تناوله كان مقتضبا موجزا أذاعته وسائل الإعلام الإيرانيّة والدّوليّة باحتشام شديد لا يتوافق مع مثل ما تعوّد الإعلام والسّاسة على التّعامل به مع تهديدات داعش وكلّ ما يرافقه من جدل مكثّف ونقاش مطوّل وخاصّة العمليّات الاستباقيّة التي تستهدفه وتجهض نواياه وبرامجه. ولعلّ الغريب في الموقف الإيرانيّ الرّسميّ أنّ الأجهزة الأمنيّة لم تقدّم تفاصيل هذا المخطّط ولا كيفيّة التّفطّن إليه ولا تاريخ ذلك ولا غيرها من المعطيات التي يسمح عادة للأجهزة الاستخباراتيّة الخوض فيها خصوصا بعد أن تقرّر الإعلان الرّسميّ عن عمليّاتها الاستباقيّة. إنّ للفرس في سوريّة حضور قويّ مكثّف وفعّال من خلال مشاركة كلّ الأجهزة العسكريّة والاستخباراتيّة الفارسيّة في رحى الحرب الدّائرة في بلاد الشّام نظرا للعلاقة الاستراتيجيّة التي تجمع بينهم وبين نظام دمشق حيث يجوب الحرس الثّوريّ الإيرانيّ وفيلق القدس واطّلاعات سوريّة بالطّول والعرض وشمالا جنوبا علاوة على تلك الميليشيّات الطّائفيّة الإجراميّة الإرهابيّة المرتبطة بإيران التي تنتشر في كلّ ربوع سوريّة وتزرع الرّعب وتوزّع الموت على شعبنا العربيّ السّوريّ، ومن شأن هذا الحضور وبذلك الثّقل فضلا عن التّنسيق الدّقيق بين الفرس والرّوس وكلّ المتداخلين في الملفّ السّوريّ وخاصّة الأمريكان والاتّحاد الأوروبيّ أن يمنع داعش وغيرها من حريّة العمل والتّخطيط لعمليّة بذلك الحجم الذي أوردته الأجهزة الاستخباراتيّة الفارسيّة. كما يستحيل في مثل ما تعرفه سوريّة من شبه سيطرة أمنيّة معلوماتيّة فارسيّة أن تفوت الملالي فرص التّفطّن لأيّ مخطّط يستهدفهم منذ البداية. فلماذا إذن أعلن الفرس عن اكتشافهم هذا في هذا التّوقيت بالذّات؟ وكيف نفهم التّناول الإعلاميّ وحتّى السّياسيّ الباهت معه؟ لقد سبق وأن أكّدنا ضلوع إيران في تأسيس التّنظيم الإرهابيّ داعش، كما أكّد ذلك خبراء واستراتيجيّون كثر، ولم يكن في مثل هذا التّأكيد مجانبة للواقع ولمجريات الأمور على الأرض. فليس من المنطق في شيء أن يتشكّل تنظيم هلاميّ بهذه الدّمويّة والوحشيّة دون أن تقف جهات متنفذّة معيّنة وراء ذلك، وبقراءة سريعة في ظروف تأسيسه وظهوره ثمّ والأهمّ من كلّ ذلك تقصّي أهدافه وغاياته ناهيك عن مجالات نشاطاته وساحات جرائمه، نخلص لحقيقة لا يمكن دحضها رغم ما يلعبه الإعلام من سعي دؤوب لإخفائها وطمسها، وتتمثّل هذه الحقيقة رأسا في أنّ داعش صنيعة مخابراتيّة تشاركت فيها القوى الامبرياليّة الاستعماريّة مع الكيان الصّهيونيّ الغاشم والعدوّ الفارسيّ الصّفويّ.. قد يبدو إصرارنا على هذا القول غريبا عند الكثيرين من الذين يستقون معلوماتهم ويبنون تحليلاتهم على ما تضخّه كبريات منابر الإعلام الموجّهة من سيل جارف من المعلومات المخادعة والمضلّلة حول داعش لتستمرّ المؤامرة وتنطلي الحيلة الاستعماريّة الامبرياليّة والصّهيو صفويّة على العالم وخصوصا العرب وهم ضحايا داعش الرّئيسيّة ومثيلاتها دوما. إنّ سبيلنا لتعرية حقيقة داعش وأصوله وجذوره متحقّقة في كتابات وزيرة الخارجيّة السّابقة ومرشّحة الحزب الدّيمقراطيّ الحاليّة للرّئاسة الأمريكيّة حيث تتحدّث بصراحة عن ضلوع الأمريكان وحلفائهم في نشأته وفسح المجال له لتحقيق أهداف متعدّدة منها استمراريّة الحرب على العرب وهي حرب يخوضها داعش بالوكالة عن الجيوش الأمريكيّة، وذلك كلّه بهدف التّسريع بإحياء مخطّط الشّرق الأوسط الجديد الذي تعثّر بفعل المقاومة العراقيّة الباسلة، ولمعاودة تقسيم الوطن العربيّ ورسم خارطته مجدّدا في سايكس بيكو الثّانية كما يوفّر الإرهاب الدّاعشيّ تخريب الأقطار العربيّة وتدمير بناها التّحتيّة ويكسر قيم المواطنة والوطنيّة في المواطن العربيّ ويشوّه الإسلام والعروبة تشويها لا سابق له. إنّ اعترافات كلينتون وغيرها من السّاسة الأمريكان والمسؤولين الأمنيّين قد تكون كافية لوحدها، ولكن يتوجّب علينا التّأكيد على أنّ عددا من كبار القادة العسكريّين والأمنيّين الإيرانيّين المنشقّين أكّدوا أنّ إيران ساهمت بدور كبير جدّا في تشكيل داعش واختراقه وتسخير تنظيمات فيه لمصلحتها بل إنّ تقارير استقصائيّة متواترة تتحدّث عن أنّ مقاتلي داعش يتلقّون العلاج داخل العراق في مستشفيات خاصّة إيرانيّة خالصة لا يسمح بالنّفاذ إليها ولا الاستفادة من خدماتها لأنّها مخصّصة حصرا لإسعافات الدّواعش ومداواتهم كما تتحدّث تقارير أخرى على أنّ قيادات داعش يتنقّلون لإيران بمنتهى الحريّة واليسر، وداعش كما هو معلوم ليس بذلك التّنظيم الحديديّ المتماسك، بل إنّه جماعات وخلايا متناثرة تعصف بها خلافات حادّة وترتبط كلّ خليّة أو جزء تنظيميّ منه بمحور معيّن. هذا ويبقى أكبر الدّلائل العقليّة والتي أكّدتها للأمس الوقائع على الأرض، على تحكّم إيران في داعش باعتبارها ضلعا رئيسيّا في تأسيسه هو بقاؤها خارج التهديدات الدّاعشيّة، فإيران والكيان الصّهيونيّ وكما وضّحنا ووضّح كثيرون غيرنا هما الجهتان الوحيدتان اللّتان لم تشهدا أيّ تحرّش من داعش لا في عمقهما ولا على مستوى مصالحهما في العالم، إذ ليس منطقيّا في شيء تقديم داعش على كونه فصيل طائفيّ " داخل المجتمع الإسلاميّ " ويضرب كلّ أصقاع الدّنيا باستثناء إيران " الشّيعيّة الرّافضيّة " والكيان اليهوديّ رغم أنّ مجال عمل داعش محاذي للكيانين الصّفويّ والصّهيونيّ. إنّ إيران إذن، تسوّق لكشفها عن هذا المخطّط الدّاعشيّ الإرهابيّ بغية صرف النّظر عن هذه الحقيقة في مناورة القصد منها إيهام الرّأي العامّ داخلها وفي العالم بأنّها كغيرها من القوى المستهدفة من هذا الخطر، وهي بذلك تهدف أساسا لتقديم نفسها في ثوب الشّريك الحقيقيّ الذي يجب على الغرب والأمريكان التّعويل عليه في ما يسمّى بالحرب على الإرهاب وهي حرب على كلّ شيء إلاّ الإرهاب ذاته، فلطالما تحدّث محاربو الإرهاب عن ضرباتهم الموجعة للتّنظيم فيما الحقيقة عكس ذلك تماما حيث تتكفّل طائرات الحلفاء بتزويد داعش بالأسلحة والأغذية والأدوية في ذلك السّياق العام. كما تحاول إيران الاستفادة من مظلوميّة جديدة وعلكة أخرى تظهر من خلالها في ثوب الضّحيّة، فتتمتّع بمزيد توطيد علاقاتها بالغرب والأمريكان خصوصا لتخلص في النّهاية لضمان صمت صنّاع القرار الدّوليّ عن إرهابها الحقيقيّ في الأحواز العربيّة والعراق واليمن والبحرين ولبنان وسوريّة وغيرها، ولا ننسى أنّها تتطلّع أيضا عبر هذه الفرية الجديدة لمزيد تغلغلها في الوطن العربيّ بحجّة ملاحقة تنظيم داعش من جهة والتّقليل من آثار التّحالف العربيّ الإسلاميّ ضدّها ولفكّ عزلتها الدّيبلوماسيّة خصوصا بعد القرارات العربيّة الأخيرة بشأن مراجعة المعاملات معها ديبلوماسيّا واقتصاديّا.