مرت، قبل أيام، ذكرى مجزرة الحويجة التي ستبقى وصمة عار في جبين نوري المالكي وحزبه ومن تحالف معه ووالاه وسكت عن جرائمه. والمؤسف أن يتم استذكار الذكرى الثالثة لهذه المجزرة الدموية بنحو خجول ولم تستذكرها إلا جهات وطنية بعينها وناشطون قلة على صفحات التواصل الاجتماعي، وكأن ما جرى في الحويجة في نيسان 2013 كان حدثاً عابراً يمكن السكوت عليه، في حين أنه كان جريمة ضد الإنسانية في المقاييس والمعايير كلها، وما زاد في وقع هذه الجريمة أنها أحيطت بصمت عالمي، فلم تتخذ الهيئات والمؤسسات الدولية ما كان يجب اتخاذه من إجراءات يتم بموجبها إحالة المتسببين إلى القضاء الجنائي الدولي لينالوا جزاءهم العادل. لقد كان يمكن أن تكون جريمة الحويجة، التي راح ضحيتها مئات من المعتصمين السلميين الأبرياء، بداية ثورة مزلزلة تكنس العراق كله من شماله إلى جنوبه من إفرازات الاحتلال لولا تواطؤ جهات برلمانية وأحزاب عميلة مع المالكي شجعته على زيادة القمع والإبادة. وقد أبدت جهات تدعي الوطنية استعدادها لتأليف كتاب عن هذه المجزرة البشعة المستنكرة ليكون وثيقة تتولى هي طباعته ونشره وتوزيعه، فتطوعت للتفرغ أشهراً لإنجاز هذا الكتاب الذي كان مخططاً له أن يكون بين يدي القراء في الذكرى الثالثة للجريمة النكراء، وأنجزت الكتاب، فعلاً، أواخر تشرين الأول من العام الماضي، وكان وثيقة وطنية عن المجزرة بشهادة أهم ناشط حقوقي في جنيف عرضت عليه الكتاب وكتب عنه تقريظاً، جاء فيه: "لذلك فإن تصدي صحفي معروف بحجم الأستاذ سلام الشماع للكتابة عن هذه الجريمة لهو خطوة مهمة جداً باتجاه إنصاف ضحايا هذه المجزرة البشعة ومحاسبة من خطط وأسهم بتنفيذ فصولها جميعهم". وأضاف: "من هنا فإن اختيار المؤلف عنوان ( الحويجة.. جريمة مسكوت عنها ) كان موفقاً، كما كان موفقاً عرضه لتداعيات هذه الجريمة وتوثيق ظروفها والأطراف المتسببة بها، وما أتمناه أن لا يبقى هذا الكتاب، لأهميته، محدود التداول بين الناطقين بالعربية، بل يفترض أن يترجم إلى لغات أخرى لكي يعرف العالم حجم المأساة التي وقعت على العراق جراء غزوه سنة 2003 وما تبعه من احتلال مارس أبشع الانتهاكات وارتكب أفظع الجرائم مستهدفاً تدمير الإنسان والوطن معاً". وقال أيضاً: "من ناحيتي، استفدت كثيراً من هذا الكتاب، الذي كلفني مؤلفه الأستاذ سلام الشماع بتقديمه للقراء، ووجدت أنه صرخة عراقية شقت همود السكوت الذي ران على مذبحة الحويجة، وأثني على دعوة المؤلف إلى الكتاب والباحثين أن يتناولوا جميع الجرائم التي اقترفت في العراق منذ 2003 لتعريف العالم بها وتوثيقها لكي لا ننسى". ومنذ أكثر من ستة أشهر استفسر عن مصير الكتاب فتتملص الجهات التي أبدت استعدادها لإخراجه إلى النور وتراوغ، ولم تعد إليّ مسودة الكتاب، حتى علمت أنها صرفت النظر عن استعدادها لأن الكتاب كان صرخة وطنية عراقية لا تجني من ورائها شيئاً، وهي التي اعتادت أن تعتاش على مآسينا وجراحاتنا ومحننا وتحولها إلى مكاسب حزبية وانتخابية وشخصية لها، بينما الكتاب كان وثيقة صادقة ولا يوفر لها مثل هذه الأرباح. إني أعتذر لضحايا الحويجة وذويهم لأني لم أتمكن، بسبب ما تقدم، أن أقدم لهم شيئاً ولكني سأظل أطالب بدم الكتاب الشهيد، كما أطالب بدماء الضحايا العراقيين الأبرياء وأفضح دوافع تلك الجهات التي لم أحصل منها على حق أو باطل بشأن مصير الكتاب المذبوح، مع إصراري على أن يطبع هذا الكتاب يوماً ليكون وثيقة إدانة، ليس للمالكي وحده، وإنما لجميع هذه الجهات التي تدعي الوطنية وتقتات على جراحات شعبنا، كما سأفضح سماسرتها لكي يعرفهم شعبنا ويعرف مدى دناءتهم وخستهم..