ماذا يبقى من حزب البعث إذا آمن بتقسيم قطر عربي وشجع عليه وأيده؟ إن وحدة الأمة العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي هو الهدف الذي قام عليه حزب البعث العربي الاشتراكي والذي بموجبه التفت حوله جماهير عريضة من الرباط في المغرب العربي إلى بغداد في المشرق العربي، وهو إن تخلى عن هذا الهدف فقد مبرر وجوده وأصبح نضاله السابق كله في ذمة التاريخ وستبحث الجماهير العربية المؤمنة بأهدافه عما يوحدها غير حزب البعث. كان بإمكان حزب البعث أن يداهن المحتلين وأن يدخل معهم في مفاوضات غير مشروطة منذ بداية الاحتلال وينتهي أمره ويصبح نسياً منسيا، كما أصبحت النتوءات السرطانية التي خرجت عليه وعلى أهدافه وانقلبت على عقبيها وهرعت لتداهن المحتل وعمليته السياسية.. فمن يذكرها الآن ومن لا يذكر البعث بقامته العربية الشامخة الذي بقي، على الرغم من جميع ما واجهه من صعاب وقتل وقطع أرزاق وتشريد لمناضليه، متمسكاً بحقوق الوطن والأمة والشعب. لذلك فإن من الحمق وقلة العقل والتخبط أن يشيع ادعياء مشاريع الأقاليم والفيدراليات أن هذا الحزب وافق على إقامة الأقاليم، التي تعني التقسيم وهو الذي لا يعترف بالحدود المصطنعة بين أقطار الأمة، فكيف يوافق على حدود مصطنعة داخل القطر الواحد؟ وإذا واجه البعث تلك الإشاعات وحملات التسقيط والشيطنة بالاهمال وعدم الالتفات لمروجيها، فذلك لثقته بإيمان جماهيره العريضة به وبأهدافه، وبأنه لم يخذل هذه الجماهير على مدى تاريخه الطويل وظل مدافعاً عنها محققاً لطموحاتها مواجهاً أعداءها بشراسة جعلته أسطورة في زمن عزّت فيه الأساطير، كما أنه واثق شديد الثقة بنهجه، وقد ذهبت جميع محاولات التسقيط والشيطنة والإشاعات التي صممتها كبريات أجهزة المخابرات العالمية أدراج الرياح وبقي البعث جبلاً لا تهزه ريح، ثم أن خيانة نفر من المتساقطين والمتخاذلين وطلاب المنافع الشخصية وآخر من المتطاولين، لا يمكن أن تنال من قمة شماء صنعتها تضحيات المؤمنين بأهداف الأمة ودماء خيرة شبابها، و: ما ضَــــرَّ مَنْ آمَنتْ دنيــــا بِفِكْرَتِــــــهِ أَنْ ضِيفً صِفْرٌ إلى أصفار من جحدوا إني، والله، أشفق على هؤلاء القصار المتطاولين والموهومين بأن حزباً كالبعث، تهفو إليه قلوب مئات الملايين في طول الوطن العربي وعرضه، يمكن أن تؤثر على بنيانه فرية أو تسقطه شائعة غبية من شائعاتهم الساقطة، والكلّ الجميع يذكر كيف باءت بالخذلان والخسران والخيبة جهود قوى دولية في النيل منه وخرج البعث من مواجهته معها قوياً أشد عوداً وأصلب بنياناً وأكثر تمسكاً بما وضعه من شروط للدخول في مفاوضات مع أي طرف، عدا الكيان الصهيوني، بهدف "الاعتراف بحقوق العراق وشعبه وتنفيذها كاملة غير منقوصة وفي مقدمتها طرد ايران وتيارها الصفوي من العراق، وهزيمة قوى الاٍرهاب المختلفة المتمثّلة بتتظيم داعش من جهة وميليشيات ايران وعصاباتها من جهة أخرى، وتغيير شامل وجذري في العملية السياسية الفاسدة ودستورها وقوانينها وجميع هياكلها التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها، ووضع خطة شاملة مع المجتمع الدولي لبناء وإعمار العراق"، إنطلاقاً من مسؤوليته التاريخية تجاه أبناء الشعب كافة بمختلف قومياتهم وأديانهم وأطيافهم ليس في العراق فحسب بل في البلدان العربية كافة، كما أكد الدكتور خضير المرشدي الممثل الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، في تصريحه الأخير. وفرق كبير بين أن تتفاوض مع عدوك لاستحصال حقوق شعبك وبين التفاوض معه للتفريط بتلك الحقوق. لذلك كله، فإني أوجه نصيحة لوجه الله تعالى إلى هؤلاء المتطاولين الشتامين الذين يفوح عطن الطائفية من أقوالهم وطروحاتهم أن يبحثوا عن ملعب آخر يناسب قدراتهم في الافتراء والكذب، وعن ذرة رمل يناطحونها بدل الصخرة الصلدة للبعث التي تحطمت عليها رؤوس أسيادهم وموجهيهم، وأن يغسلوا أيديهم من أن أكاذيبهم ومفترياتهم يمكن أن تهز شعرة في رأس البعث الماضي في نضاله حتى النصر.