منذ أن قدّم البعث نفسه حركة تاريخيّة تنهض لرسم معالم الثّورة والانقلاب على الواقع العربيّ الفاسد المَرَضيّ الدّخيل والطّارئ نتيجة ما شهدته الأمّة العربيّة من حملات استعماريّة متلاحقة وبعدما أصابها من الوهن ما أصابها بفعل الرّكود الفكريّ والثّقافيّ والتّقوقع والانغلاق، لم تنقطع محاولات استهدافه ولم تهدأ وتيرة مخطّطات ضربه وتقويض مشروعه الانبعاثيّ الحضاريّ الرّساليّ الإنسانيّ. كان طبيعيّا للبعث بعد عرضه لأطروحاته ورهاناته وبرامجه وأفكاره أن تصوّب له ولقيادته ومناضليه السّهام من كلّ الاتّجاهات، إذ ليس منطقيّا أن تمرّر ذلك كتائب الأعداء الذين رصدهم البعث وفضحهم وعرّى مخطّطاتهم وأجنداتهم ومساعيهم لإدامة حالة التّخلّف والتّشرذم في أمّة العرب داعيا الجماهير لرفضها والتّمرّد والثّورة عليها، وقد عدّت تلك الأقطاب فعل البعث وعزمه خطرا حقيقيّا يهدّد مصالحها ويضربها في مقتل. لقد كشف البعث بمنتهى الوضوح والجلاء عن أعداء الأمّة وحدّدهم في الاستعمار والصّهيونيّة والامبرياليّة والرّجعيّة والاستغلال والاستعباد وكلّ ما يتولّد عنها، فتحالف هذا المعسكر وناصب البعث عداء لا يتزحزح .. فمنذ تأسيس البعث وبروز مناضليه للسّاحات والتصاقهم بجماهير الأمّة ودفاعهم عن مصالحها الحيويّة، وللحدّ من الالتفاف على الانتشار السّريع لفكره وتبنّي أبناء الأمّة للمشروع البعثيّ وإقبالهم عليه وانخراطهم الواعي والمسؤول فيه، عمد أعداء البعث وهم أعداء الأمة بكلّ تأكيد لشيطنته وتشوهه بهدف تنفير الجماهير منه وترغيبها عنه وترهيبها منه. كان أوّل مظاهر الشّيطنة أن اتّهمت الرّجعيّات العربيّة والحركات المتاجرة بالدّين البعث بالكفر والإلحاد في مسعى خبيث لاستئصاله أو عزله في أحسن الأحوال عن حاضنته الجماهيريّة وهي المؤمنة بطبعها، وتوزّعت تلك الفِرية الكبرى بين أعراب وفرس وغيرهم، غير أنّ البعث نجح في الصّمود في وجه هذا الادّعاء الكاذب واستمرّ في نضاله معوّلا على صدق مناضليه ووفائهم من جهة وعلى الجماهير مصدر قوّته وغاية كلّ رسالته. ولمّا خاب ذلك المسعى التّكفيريّ، ولمّا ترافق مع تحقيق البعث لنقلة نوعيّة فريدة خصوصا في قٌطر العراق بعد نجاح ثورة تمّوز المجيدة وكان أن ارتقى العراق وقتها لدرجات لا يسمح صنّاع القرار الدّوليّ وخدمهم لدول الجنوب وخصوصا العرب ببلوغها، ابتكر أعداء الأمّة وسائل أخرى من شأنها ضمان إعاقة مسيرة البعث، فتمّ تكليف حلفاء الصّهيونيّة والدّوائر الاستعماريّة بشنّ عدوان غاشم على العراق في ثمانينات القرن العشرين. ولمّا خاب ذلك المسعى التّآمريّ الخبيث، قرّر الأمريكان وحلفاؤهم التّدخّل المباشر فكانت الحرب الظّالمة في بداية التّسعينات وتوّجت بحصار جائر لم يسبق أن عرفت البشريّة له مثيلا. إنّ الغريب حقّا في كلّ هذا أنّ شيطنة البعث وتشويهه كانت تعمل بوجهين مختلفين، إذ سبقت دوما أيّ حملة عدوانيّة عسكريّة على دولة البعث من جهة، ثمّ تتلو تلك الحملات بل وتتسارع وتتعاظم بعدها في إعداد لفصل من المؤامرات جديد. سوف نعمل في هذا المجال على التّركيز على أقصى درجات التّشويه والشّيطنة في فصلين اثنين وهما حرب الخليج الثانية وما تلاها من حصار، والغزو الأمريكيّ البربريّ الوحشيّ للعراق وما تبعه من اجتثاث وملاحقة. فعقب حرب الخليج الثانية، حاكت الدّوائر الامبرياليّة حول البعث ونظامه من الأساطير ما لم ينزل الله بها من سلطان، وسعت لتصويره خطرا لا يستقرّ العيش على كوكب الأرض ما دام موجودا ناهيك عن سيل الأكاذيب الأخرى من قبيل المقابر الجماعيّة والأسلحة الكيميائيّة والجرثوميّة والنّوويّة وغيرها خصوصا تركيزها على مسألة الشّموليّة والدّيكتاتوريّة وما تشكّله من عناوين برّاقة تجذب خصوصا صغار العقول وضعاف الهمم. ويبقى لافتا للأنظار السّرّ في الإصرار على خصّ البعث دون غيره من الأحزاب في العالم بهذه العدوانيّة الحاقدة، حيث لم تمنع الضّربات المتتالية التي تلقّاها الحزب ونظامه من مواصلة الشّيطنة الحصار. بل إنّ الأعداء المعروفين والمكشوفين وهم يعدّون للغزو البربريّ الهمجيّ على العراق ونظامه الوطنيّ بقيادة البعث، ركّزوا زهاء أربعمائة وسيلة إعلام مقروءة ومسموعة ومكتوبة ناهيك عن المواقع الالكترونيّة الضّخمة وسخّرت لها عشرات آلاف الخبراء في مجالات عدّة كنات مهمّتها الوحيدة والحصريّة مزيد الإيغال في تشويه البعث ورميه بما ليس فيه، فلم تعدم حيلة وكذبة ولا دسيسة إلاّ وربطتها بالبعث وليس أدلّ على ذلك من الحديث طويلا عن علاقة البعث وقيادته بتنظيم القاعدة الإرهابيّ لتكون حجّة مهمّة يستند عليها الغزاة في جريمتهم التّاريخيّة عام 2003. وحتّى بعد الغزو وتدمير العراق وحلّ حزب البعث العربّ الاشتراكيّ، لم تكتفي الامبرياليّة والصّهيونيّة ومن تذيّلهما بكلّ ذلك، فسنّوا قرار الاجتثاث الذي يوفّر غطاء قانونيّا وسياسيّا وأخلاقيّا لتذبيح البعثيّين ومصادرة أملاكهم وتعذيبهم والتّنكيل بهم بوحشيّة لا نظير لها. ومع ذلك، ظلّت الشّيطنة متواصلة محتدمة خصوصا بعد اكتشاف الأمريكان وجنرالاتهم الخائبين أنّ البعث تمكّن من احتواء الهجمة العنصريّة عليه وسيل التّشويهات وأفلح في الصّمود وعبّرت عن ذلك قيادته للمقاومة العراقيّة الباسلة وما حقّقته من نجاحات ميدانيّة كاسحة تهاوى على ظهرانيها هدف الاحتلال. لقد ضرب الأمريكان طوقا حديديّا على البعث ومنجزاته طيلة سنوات الاحتلال، وشدّدت سياسة التّعتيم عليه لمنع إظهار ملاحمه للعالم واستبقت ذلك في كلّ مرّة بحملة جديدة من الافتراء والتّشويه، لعلّ محاولة دعشنته عصارتها. إنّه وباعتبار ارتباط الإعلام لعربيّ والدّوليّ بالصّناعة الصّهيونيّة والأمريكيّة الحصريّة للأخبار، تردّدت أصداء التّضييق على البعث في كلّ المنابر التّابعة والخاضعة والعاجزة عن التّخلّص من تلك السّيطرة، فغدا الإعلام وخاصّة العربيّ بشقيّه الرّسميّ والخاصّ مجرّد ببّغاوات تستهلك ما تجود به قريحة دهاقنة الأمريكان والصّهاينة والفرس من خلفهم. ولكن، ويا سبحان الله، ظلّ البعث متمرسا في خنادق المقاومة والمقارعة لا يلتفت فرسانه ورجالاته ومقاتليه لتخرّصات الإعلام الحاقد، واكتفى بالردّ عليها بمزيد من الثّبات متسلّحا بمخزون إيمانيّ لا ينضب وهو ما ارتدّ عكسيّا على الشّيطنة والمشيطنين حيث استمرّ الإقبال الجماهيريّ على البعث فكرا وتنظيما وعقيدة قوميّة عربيّة ثوريّة تحرّريّة في ازدياد مطّرد. قد يكون من البداهة التّذكير والقول إنّ الإصرار الممنهج على المضيّ قدما في تشويه البعث عائد لبقاء هذا الحزب الصّامد المناضل المجاهد الحزب الوحيد، لا بل الجهة الوحيدة في العالم التي ظلّت رافضة للإذعان لهذا النّظام العالميّ الجديد وهو النّظام الأكثر وحشيّة وساديّة وتخلّفا في كلّ تاريخ البشريّة، حيث وبعد أن حسب الأمريكان ومن يحرّكهم ويوجّههم أنّ بمجرّد إسقاط نظام العراق الوطنيّ واجتثاث البعث ستفتح لهم أبواب السّيطرة على العالم سيطرة نهائيّة.. ولمّا اصطدموا بمقاومة حزب البعث ومن خلفه أحرار العراق والأمّة العربيّة، وفشلت مؤامراتهم وتعثّرت تعثّرا لا لبس فيه، لم يجدوا من بدّ للانتقام سوى الإمعان في حبك الأحابيل والمغالطات والتّشويهات. إنّنا نأمل أن يرعوي مثقّفو العرب وإعلاميّيهم خصوصا لينصفوا هذا الحزب الذي استمرّ في ثورته ومقاومته لأزيد من 13 عاما مقدّما أغلى التّضحيات في سبيل مناعة الأمّة وجماهيرها، إذ لو نجح مخطّط غزو العراق في بلوغ أهدافه الاستراتيجيّة، لكان الوجود العربيّ برمّته أثرا بعد عين.