لا شك أن ما يصيب الإنسانية من قتل وتشريد بسبب الحروب الخارجية والداخلية تحديداً ، وبفعل جرائم المنظمات الارهابية والأنظمة الديكتاتورية التي تتشبث بالسلطة على حساب مصالح الشعوب وتطلعات الجماهير ، فلا يهمها إلا الاستمرار في السلطة، ولو كانت على جماجم البشر ، وخراب البلاد ، وتدمير الحياة على الأرض ، ناسين أن الحكم بهذه الوسيلة هو أشد أنواع الكفر بالحياة الإنسانية ، وأكثر جريمة تبتلي بها البشرية ، فسلطة فرد لا يمكن أن تعادل دمار وطن وتشريد مواطنين . على الرغم أن المسؤول الأول في جريمة اللجوء الإنساني وتشريد المواطنين من ديارهم هو النظام السياسي الحاكم ، إلا أن العالم بكامل دوله ومسؤولياته ، وخاصة الدول ذات النفوذ السياسي والاقتصادي ، تتحمل العبء الأكبر في معاناة هؤلاء اللاجئين ، الذين يحتاجون لمن يعمل على تذليل مصاعب الحياة التي يعانون منها في الدول التي يلجأوون إليها ، في مد يد العون والمساعدة ، والعمل على توفير الحياة الحرة الكريمة ، في الغذاء والدواء والتعليم والمسكن ، وهي أبسط الحقوق المدنية التي يحتاجها الإنسان لكي يمارس حياته دون أن يصاب بالاحباط ، ويلجأ إلى وسائل القتل والاجرام ، انتقاماً من جهة ، أو لتوفير ما يحتاجه وأطفاله من جهة أخرى . نحن أمام حالتين من السلوك الإنساني في التعامل مع هؤلاء اللاجئين ، فإما أن نمد يد العون لهم بتوفير الاحتياجات الإنسانية للعيش بكرامة ، ليتم تأهيلهم كمواطنين لا يختلفون عن غيرهم من المواطنين ، الذين لم يبتلوا بجريمة القتل والتشريد ، واما أن يتركوا هكذا ليتحولوا إلى قنابل موقوته في وجه العالم ، الذي لم يقف في منع قتلهم وتشريدهم ، وفي الوقت نفسه لم يمد لهم يد العون والمساعدة لتأهيلهم على الحياة الحرة الكريمة ، فبأيدينا نحن أن نخلق منهم إما مواطنين أو مجرمين . إن هيئة الأمم المتحدة وكافة المنظمات الدولية معنية بوضع خطط استراتيجية للتعامل مع مشكلة اللاجئين ، وعلى الدول الغنية أن تساهم بشكل كبير عن طريقين بتخصيص نسبة لكل دولة في استقبال اللاجئين على أراضيها ، وأرى أن يكون استقبال اللاجئين مؤقتاً حتى الإنتهاء من الحروب التي أدت إلى هروبهم ، ليتم إعادتهم إلى أوطانهم ، وهو ما يفرض السعي لتوفير الحل السريع لإنهاء عمليات القتل والتشريد التي ابتلو بها ، وفي الجانب الآخر أن تكون هناك موازنات دائمة لتوفير احتياجاتهم على أرض اللجوء ، وخاصة في مجالات الخدمات الإنسانية ومتطلبات الحياة الضرورية . في وضع اللجوء السوري للأردن على الرغم من وشائج القربى بين الشعبين العربيين الأردني والسوري ، وتماثلهما في الكثير من العوامل ، سواء في اللغة أوالدين أو التاريخ أو العادات ، إلا أن ذلك لا يعني أنه لم يترك أثراً نفسياً وردة فعل لدى قطاع واسع في صفوف أبناء الشعب الأردني ، جراء تبعيات اللجوء ، ومتطلبات توفير احتياجاته على حساب احتياجات المواطنين ، إلى جانب ما ترك من عبء على الحكومات ، وعدم قدرتها على تحمل عبء اللجوء السوري ، نظراً لقلة الامكانيات المتوفرة ، وخاصة في جوانبها الاقتصادية والصحة والتعليم ، ناهيك عن الاوضاع الامنية ، وإن كانت الدولة الأردنية قد أخطأت في التعامل مع اللجوء السوري ، فكان حرياً بها أن شكلت هيئة مستقلة للاشراف على التعليم والصحة والأمن ، بعيداً عن مؤسسات الدولة والوضع الداخلي . إن بلداً كالأردن الذي استقبل ما يقارب المليونين من أبناء الشعب العربي السوري رغم أن احصائياته أقل من ذلك ، بلا شك يتحمل أعباءاً جسيمة ، بسبب وضعه الاقتصادي الهش ، وعدم قدرته على توفير الاحتياجات الضرورية اللازمة للعيش الكريم لهؤلاء اللاجئين ، إلى جانب أن هذا العبء الذي يتحمله من خلال ضرورة توفير ما أمكن توفيره لهؤلاء اللاجئين يكون في الاغلب على حساب مصالح وحقوق أبناء شعبه ، وهو ما يضطره لمواجهة المشكلة من زاويتين ، زاوية عبء مسؤولية اللاجئين ، وزاوية تذمر مواطنيه الذين باتوا يشعرون بعدم قدرتهم على الحياة الحرة الكريمة ، بسبب نقص في الخدمات، وارتفاع في الاسعار ، وتنافس في سوق العمل ، وخاصة في قطاع الشباب والمؤهلين تعليمياً ، فتزداد نسب البطالة ، ونسب الفقر لديه ، وتتولد المشاكل الأمنية ، وانتشار الجريمة بين صفوف أبنائه ، إلى جانب ما يمكن أن يكون من مشاكل لدى اللاجئين. إن العالم مطالب بمد يد العون للأردن لمواجهة الأعباء التي يتحملها فوق طاقته ، وإن استدعي الأمر لأن تكون هناك مناطق آمنه داخل الاراضي السورية ، وفتح المنافذ لهذه المناطق لوصول الامدادات إليها ، وتوفير الاحتياجات الضرورية الإنسانية ، وهوما يجب أن يسعى الأردن إليه في حالة عدم دعمه على المستوى العالمي أفضل بكثير من استمراره في استقبال المزيد من اللجوء المستمر . dr_fraijat45@yahoo.com