مرّ العراق بانكسارات وويلات وهزائم سياسية متتالية نتيجة حالة انعدام الثقة بين الأطراف الوطنية المناوئة للاحتلال وما أفرزه من عملية سياسية فرضها على الواقع العراقي وفرض معها شخوصاً لم تقد البلاد إلا إلى مزيد من الدمار والخراب والتهتك في النسيج المجتمعي للبلاد، من جهة ، وبين شخوص العملية السياسية نفسها التي تشاحنت فيما بينها لمصالح حزبية أو طائفية ، وليس لمصلحة وطنية. إن ما حدث ويحدث بين أبناء العملية السياسية لا ينطبق عليه إلا بيت الشعر القائل : قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل ؟ فكل طرف من أطرافها يريد أن تكون له الصدارة وقصب السبق، ومن أجل تحقيق ذلك لا يتورع عن إقصاء أخوته في العملية نفسها وتهميشهم وإلصاق التهم الجاهزة بهم، التي منها تهمة (4 إرهاب) المصممة للعراقيين المقاومين للاحتلال الأمريكي، فاستخدمها هؤلاء لتسقيط بعضهم سياسياً أو طائفياً. ولو أن ذلك جرى بهدف خدمة العراق لشعر العراقيون أن هذه القوى والأحزاب والكتل، وإن جاء بها الاحتلال، تعمل من أجل خيرهم وبناء وطنهم، ولصبروا على صراعاتها، ولكنهم وجدوا أن هذه الصراعات وذلك التدافع لاحتلال مواقع المسؤولية لم يكن لوجه البلاد أو لخيرها وإنما للاستحواذ الأوسع على خيرات العراق لصالح قادة الأحزاب المتصارعة والمتدافعة، بحيث جفت خزينة البلاد وساد الفساد وتراجع العراق ليحتل أسوأ المواقع في جميع المجالات بعد أن كان ينافس دولاً كبرى على مواقعها في الصحة والتعليم والنزاهة والقوة العسكرية وسواها، وأفقرت البلاد الغنية واستمر القتل بأبنائها وشردت العقول والكفاءات العراقية والملايين معهم لأسباب الاستهداف الطائفي. والآن، عندما يطلب من القوى الوطنية المعارضة للعملية السياسية والمتلهفة لإنقاذ العراق وبنائه أن تسهم في حل الأزمات التي أنتجتها العملية السياسية والخراب والتدمير والتمزق الذي نتج عنها، فإن ذلك لابد أن يتم بضمانات دولية ملزمة تتعهد بها الأمم المتحدة ممثلاً بمجلس الأمن والاتحاد الأوربي كجهات دولية ضامنة لما يتفق عليه لاحقاً، وإشراك جامعة الدول العربية كضامن عربي لأن العراق جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وبذا نضمن أن جميع الأطراف ستكون ملزمة بتطبيق ما يتفق عليهـ وكي نتخلص جميعاً من محاور التخندق الإقليمي والدولي الذي صال وجال عبر السنوات الماضية وتلاعب بمقدرات العراق وصادر قراره السياسي. أقول هذا وأنا عارف بأن القوى المعارضة للعملية السياسية ما استكانت يوماً للظروف الصعبة التي أحيطت وأحاطت بها، بل ظلت مستمرة في نضالها لابتداع حلول تنقذ العراق وشعبه وتنتشله من مستنقع الانتقام وزرع الثارات التي أدت إليها سياسات القوى الطائفية المتحكمة بمصير البلاد، وإذا أردنا أن نضرب مثلاً فليس بعيداً عنا المنتدى العراقي للنخب والكفاءات الذي جمع كفاءات العراق المختلفة ونخبه المتنوعة لوضع الحلول للمشكلات بإطارها المهني والعلمي، وقد نهضت منظمات عراقية أخرى بتأسيس معاهد ومدارس وابتعثت طلاباً عراقيين للدراسة في الخارج وهو ما يقع على عاتق دولة وليس على عاتق منظمة أو منتدى. إن جراح العراق الناغرة منذ سنة 2003 لا يداويها اللجوء إلى السلاح من دون حق أو تسخيره لخدمة مصالح فئوية وجهوية وحزبية ضيقة، إن رفع السلاح من دون مستحقات وطنية أولها الدفاع عنه، لن يبني وطناً إذا لم يزد في تدميره وخرابه، وإنما الحوار من أجل مصلحة الوطن وإنقاذ شعبه هو الحل إذا توفرت النية الصادقة لخدمة العراق وبنائه وإنهاضه ليقف مجدداً بشموخ مسهماً في البناء الحضاري. أما السلاح وبناء الأسوار وحفر الخنادق وتقطيع أوصال الوطن فلن تجلب إلا مزيداً من التدخل الأجنبي في شؤوننا وإلا مزيداً من الخراب والدمار وإلا إبادة البقية الباقية من هذا الشعب الموجوع. فانظروا ما أنتم فاعلون