لا شك أن انتفاضة القدس الأخيرة التي اندلعت شرارتها مطلع أكتوبر من العام 2015م كانت الأشد وطأةً وتأثيراً على الاحتلال والأكثر كلفة في مختلف الجوانب من سابقاتها الأولى والثانية وخصوصا قدرتها على إرباك العدو وكافة أجهزته الأمنية ومؤسسات كيانه وإلحاقها كبير الخسائر في صفوفه وإمكاناته إلى درجة إحداث الانهيار التام والشامل في منظومته الأمنية والعسكرية وقف معها عاجزاً ومستجديا السلطة الوطنية الفلسطينية للمساعدة في لجم هبة الأطفال والشباب الذين تراوحت أعمارهم بين الثالثة عشر والعشرين عاما هم باختصار جموع الصبية الأبطال الذين يخوضون غمار الانتفاضة الثالثة. لقد أضحى أطفال وشباب فلسطين اليوم يضربون أروع الأمثلة في الصمود والتحدي والفداء وغدوا بفعلهم المميز والخارق يفرضون منعاً للتجوال في معظم المدن الإسرائيلية وكذلك جل المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة عام 67 م كنتيجة طبيعية لحالة الإرباك الذي تعيشه كافة أجهزة الاحتلال في مواجهة الصبية المنتفضون الذين يضعون خططهم في الليل وينفذوها مع انبلاج فجر اليوم التالي دون تنسيق مع أحد من زملائهم أو أقرانهم مما أوقع العدو في حالة تخبط اعتبر معها كل شاب أو صبي وصبية مجرد قنبلة قد تنفجر في أية لحظة وسكينا متجول قد ينغرس في صدر جندي احتلالي دون سابق إنذار. وهذا بالضبط ما يفسر حالة الجنون والهستيريا التي أصابت جنود الاحتلال ودفعتهم لارتكاب جرائم حرب وقتل بدم بارد لكل شاب عربي متحرك كإجراء احترازي كانت نتائجه سقوط العشرات من الأطفال الفلسطينيين شهداء أعدموا على حواجز الموت دون سبب مقنع. من هنا يتضح حجم الخسائر الفادحة وفي جميع المجالات التي أوقعتها انتفاضة القدس الأخيرة في صفوف العدو اقتصاديا ومعنويا ليس أدل على ذلك عملية الديزنكوف في العاصمة تل أبيب التي نفذها البطل نشأت ملحم ابن قرية عاره في الداخل المحتل عام 48 م الذي أوقع العديد من القتلى والجرحى في صفوف المستوطنين الصهاينة ونشر الرعب والخوف في المدينة التي يزيد سكانها عن المليون وخصوصا بعد تمكنه من الفرار وفرض ما يشبه منع التجول لمدة ثمان أيام متتالية توقفت معها حركة المرور والتسوق وحركة المركبات والطيران وآلاف الجنود المنتشرين بحثا عن منفذ العملية الفدائية. كل ذلك كلف الخزينة الصهيونية غالياً, وهذه واحدة من مشاهد عديدة مثل عملية محمود بشارات الطموني في مستوطنة رعنانا المحاذية لتل أبيب والتي فرض فيها أيضا منع التجول لمدة ساعات حتى تسنى لجنود الاحتلال القبض عليه بعد أن نفذ المهاجم عمليته البطولية موقعا العديد من القتلى والجرحى ,ولا ننسى في هذا السياق أيضاً العملية البطولية للطفل مراد إدعيس من يطا الخليل منفذ عملية عتنئيل والذي هو الاّخر فرض منع التجول على مستوطنة عتنئيل القريبة من مدينة الخليل عدة أيام وأدت أيضاًعمليته المذكورة لقيام سلطات الاحتلال بحظر دخول العمال الفلسطينيون لكل المستوطنات المقامة في الضفة الغربية. أمام هذه العمليات البطولية والفريدة من نوعها يقف العدو عاجزا ومرتبكا إذ أنه لم يعتد على التصدي لمثلها من قبل حيث كان في السابق يتعامل مع عمليات فدائية تديرها وتخطط لها الفصائل الفلسطينية اعتاد في السابق على التعامل معها وإحباط العديد منها وحصرها في الإطار ألفصائلي الضيق .وهذه المرة يضطر العدو للتعامل مع كل بيت فلسطيني في الضفة وغزة والداخل المحتل عام 48 م كأهداف يخطط داخل جدرانها لكيفية مقاومة الاحتلال .وهنا يدرك العدو تماماً انه بات يتعامل مع بيوت سقف مطالبها لن يهبط دون تحرير فلسطين من نهرها لبحرها كما كان يردد على الدوام الرئيس العراقي السابق صدام حسين .مما يعني باختصار ضياع الفرصة التاريخية المتاحة للاحتلال طيلة العشرين عاما الماضية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية التي هبطت بسقف الحقوق الفلسطينية انسجاما مع ما يسمى قرارات الشرعية الدولية التي تقر الأراضي المحتلة عام 67 م كأراضي مفترضة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى جانب الإقرار بحق العودة للمهجرين من بيوتهم ومساكنهم . وفي السياق ذاته ونحن نتحدث عن أخطر انتفاضة يواجهها العدو الصهيوني نستهجن ونستغرب حالة الصمت المريب لفصائل منظمة التحرير والحركات الإسلامية المقاومة التي تقف جلها موقف المتفرج إزاء ما يحدث على الأرض ويكتفي بعضها الاّخر بالتأييد الإعلامي دون المشاركة الفاعلة في أتون الانتفاضة المشتعلة وتحجم حتى الاّن عن الشروع بتشكيل القيادة الموحدة لقيادة وتوجيه الانتفاضة وتوفير متطلباتها ومستلزماتها المادية والمعنوية وكذلك رعاية أسر الشهداء والمهدمة بيوتهم وتوفير العلاج اللازم للجرحى والتعويض عن خسائر المزارعين والفلاحين والتجار وغيرهم. من هنا وجب الإشارة لضرورة ترصين الحالة الفلسطينية والارتقاء بالفعل النضالي بالتزامن مع انتفاضة القدس المباركة وهذا يأتي من خلال: أولاً:- الإعلان رسميا عن إلغاء كافة التفاهمات والاتفاقات المعقودة مع الاحتلال ووقف كافة أشكال التنسيق والتفاوض معه والدعوة لعقد مؤتمر دولي خاص بالقضية الفلسطينية يرجى من خلاله إنهاء الاحتلال وفرض الإرادة الدولية عليه ولجم سياساته الإجرامية والعنصرية وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. ثانياً :- الذهاب مباشرة نحو الوحدة الوطنية الحقيقية ومغادرة حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية بالتزامن مع إنهاء كافة أشكال الفساد والمحسوبية والأنانية الحزبية الضيقة وكذلك الاستحواذ والتفرد والاستئثار بالقيادة والسلطة والسلة الوظيفية.. والعمل سريعا على تشكيل القيادة الوطنية الموحدة بهدف إدارة الصراع مع المحتل الغاصب. ثالثاً:- العمل الجاد على توفير كافة مستلزمات الصمود لمقاومة الشعب الفلسطيني المنتفض وتهيئة المناخ لممارسة شعبنا حقه الطبيعي في الكفاح والنضال بكافة الأشكال والوسائل المتاحة والممكنة كما كفلت له ذلك الشرعية الدولية التي تجيز استخدام كافة الوسائل النضالية بما فيها الوسائل المسلحة في مقارعة المحتل الغاصب. رابعاً :- الاتفاق ولو بالحد الأدنى على سقف مطالب الانتفاضة والخوض في غمارها حتى كنس الاحتلال وجلائه عن كافة الأراضي المحتلة عام 67م كخطوة مرحلية في اتجاه استعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني في كافة أراضيه العربية المحتلة . خامسا:- تعزيز أواصر العمل القومي المشترك والبحث عن الشريك العربي المساند لنضال الشعب الفلسطيني بالرغم مما تكابده الحالة العربية الراهنة من انقسامات وحروب وفتن والسعي لتشكيل جبهة عربية واسعة ومشاركة لنضال الشعب الفلسطيني وكفاحه ضد الاحتلال الذي يستهدف الأمة العربية بمجملها. سادساً:- تكثيف الجهد الدبلوماسي على الساحة الدولية بهدف عزل دولة الكيان ووسمها بالعنصرية والابرتهايد والسعي لمحاسبتها عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي التي تنتهجها إسرائيل بحق الشعب العربي الفلسطيني وأطفاله منذ ما يزيد عن سبعين عام خلت.