كثيرة هي الدول التي تلغى فيها شخصيتها الدولية لصالح الحاكم الذي يعمل جاهداً على وضع كل السلطة بين يديه ، يعمل على الغاء دور الآخرين حتى وإن وجدت السلطات الثلاث ، فلا تعمل إلا من خلاله ، وتحت امرته وبتوجيه منه ، فهوالآمر الناهي ، وهو من يستقبل السفراء والحكام الأجانب ، وهومن يعقد الصفقات ويبرم المعاهدات ، فالدولة خلقت له ولا دور للشعب ، ولا حتى للسلطات الثلاث التي يعتبر وجودها شكلاً لا حول لها ولا قوة ، يسير الجميع في ركبه ويلهثون بحمده ، ويحظون بعطاياه ، فمكرماته مكان الحقوق المشروعة . مثل هؤلاء الحكام الذين ابتليت بهم الشعوب لا يهمهم من مستقبل أبناء الشعب شيئ، حتى وإن طالب هؤلاء بحقوقهم فهم خونة عملاء مارقون خارجون على القانون ، يعاملون بقسوة ، فالسجون والمعتقلات ملأى بالاحرار، والظلم يخيم على السلوك الحكومي ، وحتى التعامل معهم بالحديد والنار ، فلا ضير من ابادة الشعب لبقاء الحاكم في كرسي السلطة ، ولا حرج أن بنيت سلطة الحاكم على جماجم البشر. نظامنا العربي الرسمي ابتلي بهذا النموذج من الحكام ، لا يهمنا ما يجري في كوريا الشمالية ، ولكن يهمنا ما يجري هنا أو هناك في نظامنا العربي الرسمي الذي لا ينتهي المطاف بالحاكم إلا إلى المقبرة ، فهؤلاء يستمدون سلطتهم من الذات الالهية، فحرام أن يخالفوا تعاليم الله ، فهم مرسلون لنا من السماء ، وهل يعقل أن نخالف أوامر السماء ، معاذ الله ، فواجبنا أن نحمد الله الذي بعثهم فينا ومن أجلنا ؟ . كل ذلك بسبب غياب الديمقراطية التي تعطي لكل ذي حق حقه ، ونحن بعد لم نتعلم الديمقراطية ، ألم يدعي الامريكان أنهم جاءوا ليعلموا العراقيين الديمقراطية بالحديد والنار ، وبالبطش والقتل والتشريد ؟ ، وهاهو نموذجهم الدموي الطائفي المجرم قد أضاع الوطن والهوية والرسالة لصالح ملالي طهران ، ثم هاهو نموذج سوريا ، حاكم يريد أن يبني سلطته على جماجم البشر ، ولا يهمه تشريد نصف الشعب السوري، يهيم المواطنون على وجوههم في شتى بقاع المعمورة ، فهذه نماذج صارخة ، ولا يعني أن بقية النماذج التي تمسك برقاب الجماهير العربية في كل مكان هي بأفضل حال ، اللهم إلا في الوسيلة التي يبتكرها هذا النظام أو ذاك في التغول على سلطة الشعب ، فما الفرق بين أن تقتل بالحديد والنار ، وبين أن تحارب الناس بارزاقهم وتضيق عليهم معيشتهم ؟ ، كلها نماذج عفى عليها الزمن ، نماذج في العصر الحيواني لا العصر الحجري كانت تذيق الناس شر المصائب والويلات . نماذج نظامنا العربي الرسمية نماذج بالية رائحتها نتنة ، لأنها بكل بساطة لا علاقة لها بالإنسان الذي تحكم باسمه ، ولا تقيم له كرامة ، لأنها تعتبره خادماً مطيعاً لتلبية رغباته ، قد تدخلنا مثل هذه الخدمة أبواب الجنة ، جنة الأمن والأمان ، ونحن المضبوعون نبحث عن السترة والأمن والأمان ، ولو على حساب الكرامة الإنسانية التي هي سبب وجودنا ، فمن لا كرامة له لا وجود له ، فنحن مواطنون بلا وطن ، لأننا رعايا السلطان . نحن في النهاية لا نلوم هؤلاء السلاطين ، لأننا جبناء في حق الوطن وحق أنفسنا وأبنائنا ، فالحاكم يأتمر بأمر الشعب ، وهو خادم للشعب وليس العكس ، وهو منتدب لمرحلة نحن من يقرر وجوده فيها ، في الزمان الذي نراه يكون اميناً على خدمة الشعب ، فالدولة بجماهيرها ، وبسلطات الحكم فيها ، كل يعمل في ضوء ما أوكل إليه، وهذا السلطان لا سلطة له إن تجاوز حدود ما ترسمه إليه قوانين المجتمع ومصالح الشعب ، فالسلطة يتحدد نوعها في ضوء وعي الجماهير وارادتها ، فإن كانت بلا ارادة فلا تلومن حاكماً متجبراً ، ولا حاكماً يدوس على كرامتها ، ويبني مجده على جماجمها ، فنحن كما كنتم يولى علينا ، فإن كنا أهلاً للحرية والكرامة وضعنا حداً للحكام وقوانين للدولة ، وإن كنا رعايا لا مواطنين نستحق ما يفعل هؤلاء بنا ، فهل نحن مواطنون لا رعايا ، وإن كنا كذلك فلماذا نقبل ما يجري في بلادنا من تعسف وظلم وقهر وعبودية ، أدت هذه أن يطمع فينا كل طامع ، وينهش لحمنا كل حاقد ، وينهب ثروتنا كل معتد غاشم . dr_fraijat45@yahoo.com