الدولة التي تنشد البقاء وتريد البناء لابد لها من وجود دعائم للحفاظ على ديمومتها، والعمل على بناء حياة حرة كريمة لأبنائها ، فالدولة إن لم تنجح في التنمية وحماية الوطن في طريقها إلى الإنهيار ، وإن وجدت فهي مجرد هيكل كرتوني سرعان ما تسقط أمام أي هبة ريح قادمة ، وهي في مصاف الدول الفاشلة التي لا قيمة لها لا في عيون أبناء الوطن ، ولا في المحافل الدولية ، هي دولة عالة على المجتمع الدولي . البناء السياسي للدولة يعتمد على حجم المشاركة السياسية للمواطنين ، وهو ما يعني التنافس من خلال صناديق الاقتراع ، لتحقيق حكم الأغلبية ، والحرص على حماية الأقلية ، وهذه لن تكون إلا في ظل وجود أحزاب سياسية ذات برامج تنموية ، وخطط لتحقيق الازدهار والتقدم الذي ينشده الوطن والمواطنين ، في ظل رقابة شعبية تقف في وجه الفساد والمفسدين الذي يكلل وجوه الدول الفاشلة بالسواد ، وكثيرة هذه النماذج في عالمنا المعاصر ، ومع الأسف أن جلّ دولنا العربية فاشلة سياسياً . العمل الحزبي عمل تنظيمي يجمع المواطنين على أهداف واضحة المعالم للمنتمين لهذا الحزب ، مواده تتطلع إلى الأخذ بيد المواطنين ، وقياداته تعمل من أجل الوطن، بعيداً عن حب الذات والتمظهر بالمظاهر غير الأخلاقية التي تمس المصلحة العامة ، متفانية في تحقيق أكبر قدر من التقدم في كل مرحلة من مراحل الحكم الذي يتولى الحزب فيها السلطة ، ليعطي نموذجاً للآخرين بأنهم وبحزبهم قد انتدبوا للمصلحة العامة ، وكل دولة يغيب عنها العمل الحزبي ليست بالدولة التي تحكم من خلال رغبة شعبها وطموحات مواطنيها ، فالعمل الحزبي تنظيم جماهيري ، يجمع المواطنين على أهداف وطنية ، والنماذج التي تقوم سياساتها على العمل الحزبي نماذج ناجحة ، بشرط أن لا يكون هذا الحزب حزب السلطان ، يسير في فلك الحاكم ، فالحزب من يأتي بالحاكم وليس العكس ، فهل لنا أن نرى نماذج حزبية جماهيرية تعمل على تحقيق الديمقراطية من خلال انتخابات حرة ، وتطبق مفهوم تداول السلطة . الدولة أيضاً تحتاج إلى قوة تحمي حدودها ، وتقف في وجه الطامعين بثروتها ، خوفاً من هؤلاء الذين يبحثون عن نهب ثروات الآخرين ، بما يعني حاجتها إلى جيش قوي يسير في ضوء توجيهات السلطة السياسية ، بعيداً عن أن تكون السلطة بأيدي العسكر ، فهؤلاء نموذج بعيد كل البعد عن نموذج سلطة الشعب أياً كانت الوطنية التي يتمتعون بها ، فالجيش لا يحكم وليس صاحب نفوذ سياسي ، ولا يخرج من ثكناته العسكرية إلا في الوقت الذي تصدر له أوامر من السلطة السياسية ، فنماذج حكم العسكر قد فشلت ، حتى وإن أصاب بعضها النجاح هنا أو هناك ، لأن حكم العسكر هو بمثابة اغتصاب للسلطة من بين أيادي المواطنين ، والسلطة السياسية هي ملك المواطنين لتحقيق أهدافهم . أي دولة فيها عمل حزبي يمارس العمل السياسي على أرض الواقع ، وفي ضوء قوانين حزبية ، ومن خلال صناديق الاقتراع يصل إلى السلطة ، وبايمان بمفهوم تداول السلطة ستحقق مثل هذه الدولة النجاح ، وهذا النجاح يحتاج إلى من يحيط سواره بالقوة لحمايته من الاغتصاب ، سواء أكان هذا الاغتصاب من الداخل أو الخارج . ما نشاهده في النموذج العربي في النظام العربي الرسمي لا يحقق ضرورة ديمومية الدولة العاملة على تحقيق طموحات أبنائها ، سواء بالعمل الحزبي المنظم ، والوصول إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع ، وتطبيق مفهوم تداول السلطة ، مع وجود جيش يحمي الدولة وحدودها ، فدولنا هياكل كرتونية موبوءة بالفساد ، يحكمها الطامحون بعيداً عن رغبة الجماهير ، فهي فاشلة في تحقيق التنمية وتحقيق الأمن الوطني ، مما يعني أن على الجماهير مواصلة النضال لتطبيق الديمقراطية ، من خلال صناديق الاقتراع ، وعلى اعتبار أن العمل السياسي عمل جماعي من خلال الاحزاب السياسية ، تبني جيوشها ليس لحماية الحاكم ، بل لحماية الوطن والمواطنين ومكتسبات الشعب . تباً لنظام سياسي يصر على حكم الوطن ، ويستبد بمصالح المواطنين ، يتطلع لديمومة سلطته على حساب فناء وطن ، يبني حكمه على جماجم جماهير الشعب ومعاناة المواطنين ، فهذه النماذج قد عفى عليها الزمن ، فليست في صالح الجماهير، ولا تستطيع تحقيق حماية جدران الوطن من الطامعين ، ونحن في أمتنا حتى نتمكن من تحقيق أهدافنا في الوحدة والحرية والحياة الحرة الكريمة ، حياة الحرية والتحرير، لا بديل لنا عن سلطة الجماهير من خلال أحزاب سياسية منظمة ، وامتلاك قوة تحمي السلطة الوطنية ، فسبب فشلنا لأننا لم نتمكن من انجاز التنمية بكل أنواعها ، ولا نملك جيشاً خارج عن سلطة الحاكم المستبد . dr_fraijat45@yahoo.com