ساءني جداً أن أشاهد مقاطع فيديوية تصور أشخاصاً ينامون على بطونهم في طريق الذاهب إلى كربلاء ويمسحون وجوههم بغبار أحذيته، وهو من الغريب المستبشع والمذل لكرامة الإنسان، بعد أن شاهدنا من ينظف أقدام الزائرين ويقبلها أو يرش عليها ماء ويشربه. ألهذا انتفض الحسين وثار، أم أن ثورته كانت من أجل إكرام الإنسان لا إذلاله؟ والمظنون إن من يفعل ذلك ليس عراقياً، وإنما هو مدفوع من جهة ما ليمارس ذلك بذريعة التقديس المبالغ به للأمام الحسين، أو الحب الذي يصل إلى حد الجنون، نشراً لبدع جديدة، وكأن البدع القديمة لم تعد تكفي، أو أنها تحتاج إلى إسناد من بدع أكبر منها. الواقع، إني لم أجد سنداً من كتاب الله ولا الأحاديث النبوية ولا أقوال آل بيت النبوة لهذه الممارسات الغريبة، ولكني وجدت لها سنداً من بيتي شعر قالهما شاعر وضعت له قصة لا يصدقها العقل فهي خليط من الأحلام والأوهام. والبيتان هما : إذا شئت النجاة فزر حسينا لكي تلقى الإله قريرَ عيـنِ فإن النارَ ليس تمسُّ جسماً عليـه غبارُ زوارِ الحســينِ وهذان البيان سمعناهما ونحن صغار ورأيناهما مخطوطان على واجهات المواكب الحسينية، ولكننا ما وجدنا أحداً يمارس ما يمارسه المغرضون والجهلة من أفعال تأباها الكرامة الإنسانية. والشاعر هو أبو الحسن جمال الدين علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخلعي الخليعي الموصلي الحلي، يقال إنه توفي سنة 750هـ، وهناك من يقول إنه توفي سنة 580 للهجرة، ويزعم الرواة أن له قصة واقعية عندما قرأتها شككت بوجود مثل هذا الشاعر أصلاً. وولد هذا الشاعر لأبوين تصفهما الرواية بأنهما ( ناصبيين ) ومن هنا تعرف أن واضع هذه الرواية طائفي لا يريد بها وجه الله ولا حب الحسين. وتقول الرواية إنّ "اُمـّه نذرت إنْ رزقها الله ولداً تبعث به لقطع الطريق على زائري قبر الإمام الحسين وقتلهم، فلمّا ولدته وبلغ رشده أرسلته لتحقيق هدفها، فذهب إلى نواحي ( المسيّب ) بالقرب من كربلاء، وبقي هناك ينتظر قدوم الزائرين، فغلبه النوم فاجتازت عليه قوافل الزائرين فأصابه غبارهم الثائر، فرأى فيما يراه النائم أنّ القيامة قد قامت، وقد أمر به إلى النار ولكنّها لم تمسّه لما عليه من ذلك الغبار والتراب الثائر، فانتبه من نومه مرتدعاً وتحول من النصب إلى الرفض". وهناك قصة أكثر خرافة ينقلونها عن كتاب ( الحبل المتين في معجزات أمير المؤمنين ) أنـّه جرت بين الخلعي الخليعي الموصلي الحلي وبين ابن حماد الشاعر مفاخرة يرى كلّ واحد منهما أنّ ما قاله في مدح الإمام علي بن أبي طالب أحسن ممّا قاله صاحبه فيه، فنظم كلّ منهما قصيدة في مدحه وألقاها في ضريح الإمام علي محكّمين في ذلك الإمام نفسه، فخرجت قصيدة الخليعي مكتوباً عليها بماء الذهب أحسنت، وخرجت قصيدة ابن حمّاد مكتوباً عليها أحسنت، أيضاً، ولكن بماء الفضة، فتأثر ابن حمّاد، وخاطب الإمام بقوله: أنا محبّك القديم، وهذا حديث العهد بولائِك، فرأى الإمام في المنام وهو يقول له : إنّك منّا، وإنّه حديثُ عهد بأمرنا فمن اللازم رعايته". وأنت تقرأ قصائد هذا الشاعر فلا تجد فيها متانة ولا صوراً شعرية مبهرة، وإنما هو نظم عادي. وزيادة في شد البسطاء والجهلة بهذا الشاعر يذكرون أن سبب تسميته بالخليعي أنّه "لمّا دخل الحرم الحسيني أنشأ قصيدة في الإمام الحسين وتلاها عليه، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمّي بالخليعي، بمعنى أن الإمام الحسين خلع عليه ذلك الستار لاستحسانه القصيدة. إن قصص الخرافات والمنامات والأحلام هذه إذا انطلت على أبناء العصور المظلمة فلا ينبغي أن تنطلي علينا ونحن في القرن الحادي والعشرين، وإنك إذا رجعت إلى أدبيات التشيع قبل البويهيين والصفويين، وقبل أن تتحول إيران من المذهب السني إلى التشيع لن تجد فيها مثل هذه الخزعبلات والبدع التي شوهت مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق. إن الحسين عندما ثار لم يرد منا أن نمرغ وجوهنا بغبار أحذية زائريه وإنما أراد منا أن نمرغ وجوه الظالمين بالرغام، فما بالنا نرى الظلمة، الذين ادعوا حب الحسين وساروا بنا سيرة يزيد، تلمع، ووجوه المظلومين يعلوها الغبار؟