لا تمنحوا الفرس تعويضا عن خسائرهم في المشرق العربيّ فتفتحوا تونس والمغرب العربيّ أمامهم : في الوقت الذي بدأ المشروع الفارسيّ الصّفوي بالتّغلغل داخل الوطن العربيّ الكبير يشارف على الانحسار والانكفاء في المشرق العربيّ عبر تزايد خسائر الفرس الصّفويّين وخاصّة العراق وسوريّة ، وفي الوقت الذي يصطدم ذلك المخطّط في هذه الأقطار بمقاومة مسلّحة مسنودة بأخرى سياسيّة وثقافيّة لا تهدأ ، ما ألحق بالمؤسّسة العسكريّة الفارسيّة أضرارا جسيمة لم تعد تقوى على تحمّلها وتمثّلت في مئات القتلى على طول امتداد السّاحة العراقيّة والسّوريّة الأمر الذي لم تجد السّلطات السّياسيّة والدّينيّة والعسكريّة أمامه من بدّ من الاعتراف بحجم تلك الخسائر وأهمّيتها بعد سقوط ما يقارب مائة ضابطا كبيرا من رتب مختلفة تتراوح بين العقداء والعمداء والجنرالات في الحرس الثّوريّ مفخرة الجيش الفارسيّ ونخبته ، وبعد إقرار طهران رسميّا على ألسنة كبار مسؤوليها أنّها بدأت تتراجع في سوريّة الأمر الذي حداها للتّفكير صراحة بسحب جواسيسها وعملائها وضبّاطها وألويتها العسكريّة التي أهلكت الحرث والنّسل هناك. وأثناء تعثّر نغول الملالي في اليمن بفعل الضّربات العسكريّة وتصدّي القوى الوطنيّة والإسلاميّة والقوميّة لبرنامجهم الإجراميّ بحقّه ، ومع احتدام وتيرة الهزّات التي تعصف بالدّاخل الفارسيّ بعد تواتر الهبّات المنتفضة للشّعوب الإيرانيّة خصوصا بعد حراك الأذربيجيّين والثّورة المستعرة التي لا تهدأ في الأحواز العربيّة.. في كلّ هذه الأطوار ، تجد ولاية الفقيه المتخلّفة الحاقدة على العرب والعروبة منفذا لساحة ظلّت عصيّة عن الاختراق الفارسيّ طويلا رغم محاولات الفرس المتكرّرة والمتلاحقة هي المغرب العربيّ.. وتسجّل تونس للأسف الشّديد حضورها القويّ لتمنح ملالي قٌم ومشهد موطئ قدم يطلّون عبره شرق المتوسّط فتكون السّاحة الغربيّة تعويضا سخيّا عن الخسائر المدوّية للفرس شرقا.. فبعد الخطوة الخيانيّة الصّادمة بعد انعقاد مؤتمر قمّة العار وما أسماها القائمون عليها بالجبهة القوميّة العربيّة الشّعبيّة وضمّت مختلف نغول إيران من حوثيّين وجماعات حزب الله اللّبناني ونظام الأسد وعليّ سلمان المجرمة وثلاثة أحزاب تونسيّة ، ها هي تونس الرّسميّة ممثّلة في وزارة السّياحة تفتح المجال التّونسيّ على مصراعيه أمام إيران .. لقد احتضنت تونس نهاية الأسبوع وطيلة ثلاثة أيّام كاملة ما يسمّى بنائب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورئيس منظّمة التّراث الثّقافيّ والصّناعات التّقليديّة والسّياحيّة " بالجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة " مسعود سلطاني حيث تمكّن من عرض مشاريع اتّفق على اعتبارها من قبيل تعزيز التّعاون الثّنائيّ بين تونس وإيران في مجال السّياحة والصّناعات التّقليديّة معربا عن استعداد إيران لمساعدة تونس في الظّروف الصّعبة التي تمرّ بها. وأسهبت وزيرة السّياحة التّونسيّة في ترويج ما سيعمّ تونس من خير وفير بفضل هذا الانفتاح على إيران ، بل وحرصت على الإيهام بأنّ السّاحة الإيرانيّة ستمكّن تونس حتما من تلافي ما خسرته من توافد السّياحة الأروبيّة بعد الحوادث الإرهابيّة التي عرفتها تونس هذه السّنة.. كما حاولت أن تربط بين هذا الانفتاح المشبوه على إيران والوضع الاقتصاديّ في تونس برمّتها.. نتج عن هذه اللّقاء بين الوزيرين توقيع اتّفاقيّات تتحدّث عن فتح جسر جوّي بين تونس وطهران لاستقبال عشرة آلاف سائح إيرانيّ سيزورون تونس قريبا.. قد تصلح مثل الاتّفاقيّات لتكون مادّة إعلاميّة تؤثّث افتتاحيّات الجرائد والتّلفزيون خاصّة وسط حالة الفوضى والارتباك التي تستبدّ بالمشهد الإعلاميّ في تونس ، وقد يجد المواطن التّونسيّ البسيط فيها بعض دواعي الاطمئنان لسعي السّلطة لطرق الأبواب بحثا عن حلول لما تمرّ به تونس من تردّي اقتصاديّ قد يعمّق حالة الإحباط الشّعبيّ العامّ.. ولكن ، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون مثل هذه التّبريرات مقنعة ولا مطمئنة خصوصا للذين يعكفون على البحث في المشهد السّياسيّ قٌطريّا وقوميّا ودوليّا.. إذ لا يخفى على أحد ما يسم السّياسات الإيرانيّة من عدوانيّة وما يطغى عليها من تآمر على العرب في كلّ مكان ، كما لا نعتقد أنّ السّلطات التّونسيّة تجهل المطامع الإيرانيّة الفارسيّة في التّوسّع على حساب العرب أينما كانوا.. فإيران التي تتحدّث رسميّا عن عملها على إحياء الامبراطوريّة الفارسيّة وعاصمتها بغداد ، وتتغنّى بسيطرتها المطلقة على أربع عواصم عربيّة ، فضلا عمّا ترتكبه ميليشيّاتها وجحافلها العسكريّة من جرائم صادمة بحقّ العرب في العراق وسوريّة واليمن والبحرين والأحواز ولبنان ، وإيران التي تسكنها هواجس ثارات الفرس الصّفويّين على العرب لا يمكن مطلقا أن تفكّر في مصلحة تونس وتنبري معينا مخلصا لشعبنا العربيّ فيها.. قد تتذرّع إيران بتقيّتها المعهودة ، وتتذرّع بأنّ من حقّها تدعيم سبل التّعاون مع أيّ دولة في العالم ومن ضمنها تونس ،، ولكن ما يتوجّب على السّلطات التّونسيّة التّقيّد به هو حتما المصلحة العليا لشعب تونس وأمنه.. ينبغي على السّلطات التّونسيّة أن تتحلّى بقدر أكبر من المسؤوليّة لتمنع تكرار سيناريوهات عربيّة كثيرة كالمغرب واليمن والبحرين والإمارات ولبنان وسوريّة ، حيث استغلّ الفرس بعض الفترات الصّعبة التي عرفتها هذه الأقطار وعرضت خدماتها متّكئة على ادّعاءاتها الكثيرة من قبيل الانتماء للعالم الإسلاميّ وغير ذلك ولكنّهم في الحقيقة كانوا يضمرون كلّ الشّرور لتلك الأقطار فيعملون على تثبيت جواسيس وجيوب مرتزقة يزرعونهم في شتّى المجالات توكل لهم مهمّات جاسوسيّة بحتة تتمثّل في السّعي للتّبشير بولاية الفقيه المتخلّفة وبثّ الطّائفيّة لتقسيم تلك الشّعوب وإدخالها في فوضى التّناحر والبغضاء والاقتتال فيتقوّض أمن تلك الدّول وتكتشف سلطاتهم فيما بعد أنّ ما خسرته من انفتاحها على إيران أكثر مرّات ومرّات ممّا اعتقدت أنّها كسبته.. إنّ تونس الرّسميّة مدعوّة فعلا لمراجعة هذا الانفتاح المشؤوم على الفرس بل وضرورة التّراجع عنه، وهي مطالبة بالتّفكير جدّيا في التّصدّي والتّفطّن للخطر الدّاهم من عمائم الفرس الذي لن يزيد الوضع في تونس إلاّ تراجعا وتدهورا وسوءا.. وهي أي تونس الرّسميّة مدعوّة لمحاربة تلك الكتائب الصّفراء التي باتت تتشكّل بوضوح وتخترق المجتمع التّونسيّ كمقدّمة لتقسيمه وتهرئته وتشظيته.. وما على تونس الرّسميّة إلاّ أن تدرك أنّ أمنها من الأمن القوميّ العربيّ كاملا، وأنّ إيران أحد أكبر الأعداء لعموم العرب أينما كانوا ، كما عليها أن تتروّى وتقيّم حقيقة الخطر الفارسيّ تقييما موضوعيّا يراعي المصلحة القوميّة العليا لتونس ( لا القٌطريّة الضّيقة طبعا ) ما يقيها مستقبلا تبعات حلول متسرّعة وخطوات غير مدروسة ، هذا أيضا علاوة على مراعاة هويّة الشّعب العربيّ في تونس وتأصّلها فيه وهي الملزمة دستوريّا باحترامها والعمل وفق مصلحتها .. لا فائدة من التّنويه إلى أنّ المشاكل الاقتصاديّة العابرة أو حتّى الدّائمة ، لا تتيح للدّول أن تلجأ لأعدائها التّقليديّين ، فليس من فرق بين الخطر الصّهيونيّ على تونس والخطر الفارسيّ الصّفويّ .