لا تتوفر لمفردة من مفردات اللغة هذا الحيز الذي تشغله في وسائل الإعلام الوطني والخارجي، أكثر من مفردة الإرهاب حيث باتت تطغى على الخطاب السياسي وتلهب وسائط التواصل الاجتماعي. ولكثرة ما بات "الإرهاب" يشكل هاجساً لدى العامة والخاصة على مستوى الأفراد و الجماعات والدول، لم تعد الأعمال التي تندرج تحت توصيف "الإرهاب"، بحاجة لرش مبهرات عليها لأن عناصر الإثارة تكمن في ذاتها وما يترتب عليها من نتائج. وبالعودة إلى تعريف الإرهاب في اللغة والقانون والسياسية، " هو الترويع وبث الذعر، و جميع الأعمال التي تعرض أروحاً بريئة للخطر أو تودي بها وتهدد بشدة الحريات الأساسية وتنتهك بشدة الكرامة الإنسانية وحسبما جاء في قرارات الأمم المتحدة حول الأعمال الإرهابية " . استناداً إلى هذه التعريفات والتوصيفات في اللغة والقانون والسياسية، فإن كل الأعمال التي تعرض للخطر أرواحاً بريئة أو تزهفها، وتلك التي تروع العامة والخاصة، وتلك التي تهدد الحريات الأساسية وتنتهك بشدة كرامة الإنسان إنما هي أعمال إرهابية والأمثلة عليها كثيرة وأكثر من أن تحصى، وهي حصلت وتحصل في حديث العصور كما في غابرها. إذاً ،أن الأعمال التي تروع العامة والخاصة وتبث الذعر وتزهق الأرواح وأياً كانت الجهة التي ترتكبها إنما تندرج تحت توصيف الأعمال الإرهابية، ويندرج معها التصفيات الجسدية والاغتيالات والإعدامات واجتياح المدن والقرى ورمي الأحياء الآهلة بالسكان بالصواريخ الشديدة القدرة التدميرية والبراميل المتفجرة وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي على الأسرى والمعتقلين والترحيل الجماعي ( ترانسفير ) ،وممارسة التطهير العرقي والتنكيل على خلفية المعتقد الديني والمذهبي وضمنه يندرج التكفير وهذه كلها أعمال إرهابية ( وما يجري في العراق وسوريا ) وما تقوم به كافة القوى المنخرطة في الصراع هو النموذج الصارخ. كما أن الاعمال التي تهدد الحريات الأساسية كحق الحياة، وحق العمل، وحق حرية المعتقد الديني والسياسي وحرية التعبير، وحق الشعوب في تقريرها مصيرها وحقها في حريتها التامة وفي ممارسة سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني إنما هي أعمال إرهابية .وضمن هذا يندرج إخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله. وقد حفظت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان حق الشعوب في مقاومة الاستعمار واعتبرت أن مقاومة هذا الاستعمار، إنما هو حق مشروع كونه يهدف إلى انتزاع حرية الشعب وتمكينه من تقرير مصيره .وبالتالي فإن مقاومة المستعمر أياً كان شكل مقاومته لا يندرج ضمن الأعمال الإرهابية واستناداً إلى قاعدة التمييز بين المقاومة والإرهاب. والمثال ليس الحصري أيضاً على الأعمال التي تندرج ضمن التوصيف الإرهابي، العدوان الذي تشنه الدول لتقويض سيادة دول أخرى، والاحتلال الذي يؤدي إلى سلب الشعب إرادته في تحديد خياراته الوطنية والسياسية وكل أشكال التدخل الاجنبي الذي يهدف إلى تفكيك البنية الوطنية وتفسيح البنية المجتمعية. وتحت هذا العنوان يندرج العدوان على فلسطين واحتلالها وتهجير شعبها وهو أكثر أشكال العدوان إرهاباً، لأنه ينطوي على اغتصاب الأرض واقتلاع شعبها الأصلي وترويعه بكل أشكال العنف الجسدي والنفسي، المادي والمعنوي. كما يندرج تحت هذا العنوان، العدوان على العراق كنموذج على سبيل المثال وليس الحصر ومعه تدرج ممارسات كل القوى التي شاركت بالعدوان أو ساعدت أو سهلت أو تعاملت مع الاحتلال متظللة بتغطيته الأمنية والسياسية، طمعاً بنفع مادي أو سياسي ولو كان على حساب الحق الوطني العام وحق الشعب الخاص. على هذا الأساس، فإن كل من يمارس عملاً لا يكون موجهاً ضد محتل أو مستعمر، ويقوم بأعمال تبث الذعر وتروّع الأهلين، وتهدد الحريات الأساسية وتنتهك كرامة الإنسان وحقوقه كمثل التي يتعرض لها أسرى الحرب والمعتقلون والذين يخالفون بالرأي نظم الاستبداد وقوى الأمر الواقع ( إنما هو عمل إرهابي، سواء كان منفذه فرداً أو جماعة أو دولاً. من هنا فإن قوة التأثير الإعلامي في الرأي العام ومناخات الترهيب الفكري والسياسي التي تمارس وتبث الذعر وتنهك الكرامات الإنسانية وتهدد الحريات السياسية بقوة تفوذ عسكري وأمني وسياسي، لا يمكن أن تسقط عن منفذيها صفة عدم الترويع وبث الذعر وزهق الأرواح البريئة وأن كان غيرها يمارس مثلها او اكثر عنفاً. فكما هناك في ترتيب التقويم الإيجابي متدرج من الممتاز إلى الجيد والمقبول، فإنه في أعمال السوء ومنها الأعمال الإرهابية تدرج من الشديد الفظاعة الى المرعب والمخيف وباث الذعر والخوف والترويع. ولو وضعنا سلماً لتصنيف الجماعات، التي تندرج اعمالها تحت التصنيف الارهابي فإن الأعمال التي تقوم بها "داعش" ومثيلاتها وان كانت تحتل المرتبة الأعلى، في التوصيف الارهابي فإنه تحت الأعلى كثير من القوى التي ينطبق على أعمالها وصف الأعمال الإرهابية وساحتا سوريا والعراق وما تغصان بهما من قوى شاهد حي على ذلك. وأما بالنسبة لتصنيف الدول، فإن الكيان الصهيوني يحتل المرتبة الأعلى باعتباره يجسد المرحلة الأعلى من الاحتلال والاستعمار، وهو الاستعمار الاستيطاني وما دونه تندرج دول كثيرة بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية وكل من يتعامل مع الشعوب الأخرى انطلاقاً من مصالحه، ولو كانت على حساب حقوق الشعوب في الحياة الحرة الكريمة. وإذا كان إرهاب الأفراد بحسب التعريف اللغوي والقانوني والسياسي هو دون فظاعة إرهاب الجماعات، فإن إرهاب الدول هو الأفظع والأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان باعتباره يمس شعباً بأكمله. وما يجب التوقف عنده هو العبور بتوصيف الإرهاب وأشخاصه سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً، من معطى الواقع السياسي إلى معطى الواقع الديني والمذهبي. فإسقاط توصيف "الإرهاب" على مكونات مذهبية أو دينية دون أخذ العامل السياسي بعين الاعتبار، هو مغالطة قاتلة تؤدي إلى إضفاء توصيف غير صحيح وغير واقعي على سلوك الأفراد والجماعات والدول التي تقوم بأعمال معرفة إرهابية. والخروج من التعميم إلى التخصيص، فإن تصنيف "داعش" ومثيلاتها بالمنظمات الإرهابية، هو بسبب سعيها لتحقيق مشروعها السياسي وليس بسبب خلفيتها الدينية والمذهبية. كما أن النظام الإيراني لا يصنف إرهابياً مع كل التشكيلات التي ترتبط به بسبب المعتقد المذهبي لبنية النظام، بل بسبب مشروعه الساسي الذي يندفع به خارج حدوده ولا يرى سبيلاً لتحقيقه إلا بتفجير البنى المجتمعية وتقويض مقوماتها الأساسية. وبنفس المنطق فإن "الغرب السياسي" وفي طليعته أميركا، لا يمارس الإرهاب استناداً إلى خلفية دينية، بل بسبب سعيه لتحقيق المشروع السياسي ومثله "الشرق السياسي" الذي يتحرك وفق أجندة مصالحه. ومن خلال هذه المقاربة لمفهوم الارهاب فإن ذروته هو الذي مارسته الحركة الصهيونية وأدى بداية إلى اغتصاب قسم من فلسطين. ويجري العمل اليوم على قضم وهضم ما تبقى من أرضها وطرد ما تبقى من شعبها .وهذا الإرهاب هو الأساس الذي أفرز هذا الواقع المقيت الذي يعيش العرب والعالم مشهدياته. ومن استعراض أشكال "الإرهاب" الذي يندرج تحت تعريفاته اللغوية والقانونية والسياسية يتبين أن الإرهاب لا هوية دينية له، بل هويته الأساسية هي سياسية، ويمارسه الأفراد والجماعات الدول وبغض النظر عن المعتقد الديني لمنفذيه. وأن يقال بأن الإسلام هو دين إرهابي فهذه فرية توجه إلى الإسلام ليس باعتباره ديناً رسالياً وحسب بل باعتباره ثقافة قومية للعرب، وصولاً إلى الصاق تهمة الإرهاب بالعرب، ووصف كل ما يقومون به للدفاع عن وجودهم وحريتهم وكرامتهم بأنه إرهاب. وهذا ما يريده رعاة الإرهاب الدولي الوصول إليه بغية الصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة، كي يلصق هذا الوصف بمقاومة شعب العراق للاحتلال الأميركي وللاحتلال الإيراني من الباطن وبمقاومة شعب فلسطين للاحتلال الصهيوني ومعه شعب لبنان. لو طوينا الصفحة الحاضرة، أي صفحة هذه المشهديات التي تملأ الشاشات التي ترخى ظلالها على كل المنتديات السياسية، وفتحنا صفحات أخرى من الحاضر والماضي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، حاضر السلوك الأميركي والإيراني في العراق، وحاضر السلوك الأطلسي في ليبيا ،وحاضر السلوك المتعدد الأطراف والجنسية في سوريا،جماعات ودولاً، وحاضر السلوك الصهيوني في فلسطين كما ماضيه ،وماضي السلوك الأميركي في فيتنام، والسلوك الصربي في البوسنة والهرسك، والسلوك الروسي في أفغانستان، والسلوك الفرنسي في الجزائر والإيطالي في ليبيا وقس على ذلك، ألا نقف على مشهديات أكثر مما نراه بشاعة وفظاعة في الترهيب والتعذيب والانتهاك الخطير الحقوق الإنسان في بعديها الوطني والإنساني وهو كله موثق ولا يمكن لأحد أن يتجاهله؟ وإن تطفوا على مسرح الأحداث ممارسات "داعش" ومثيلاتها ونقائضها، فهذا ليس إلا نتيجة "لإرهاب أكبر وأفظع" ادارته وفرضته قوى النفاذ الدولي لسبعة عقود خلت، وتعمل اليوم لتكييف واقع المنطقة مع مستلزمات الأمن الصهيوني ولو كان على حساب تقويض البنيان الوطني للمكونات الوطنية. لذلك، فإنه عند الكلام عن "الإرهاب" يجب العودة إلى مسبباته الأصلية ورافعاته الدولية والإقليمية لأن القضاء عليه كظاهرة وتجفيف مصادر إرضاعه، لا تكون بالتعامل مع النتائج وحسب بل بالعودة إلى اقتلاع الظاهرة من جذورها. لقد اعتبرت وزير خارجية السويد، بأن سبب الإرهاب هو اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، وهيلاري كلينتون قالت أن "داعش" هي نتاج أعمالنا، وتقصد بذلك ما ترتب عن احتلال العراق وتقويض بنية دولته الوطنية ودون إغفال أسباب أخرى لبروز "داعش" وغيرها من التشكيلات التي يبرر سلوكها بعضه بعضاً، فإن هذه القوى التي تصنف إرهابية استناداً الى اعمالها ليست كذلك لأنها تحمل فكرياً دينياً أو مذهبياً معنياً، بل لأنها تحمل مشروعاً سياسياً وهذا الأمر ينطبق على كل الدول والقوى التي مارست العدوان والتخريب وقامت بالاحتلال واغتصاب فلسطين واحتلال العراق نموذجاً ومن هنا يجب أن تكون البداية في التعامل مع الإرهاب وظواهره السياسية وبعيداً عن ازدواجية المعايير.