أضحى حزب البعث العربي الاشتراكي مسلمة من مسلمات الحياة العربية وضرورة تاريخية لا مناص منها؛ وانتزع البعث هذه المكانة السامية المتفردة بفضل تشخيصه العلمي والعقلاني لواقع الأمة ومستقبلها وفق تلبية منهجية لطموح الجماهير العربية في تغيير واقعها المتردي والثورة عليه لتنطلق بعدها في المساهمة في المجهود الإنساني بما يحقق للانسانية توازنا مفقودا بسبب النزعة العدائية التي طبعت سياسات القوى الكبرى وجشعها وعملها على مزيد التوسع على حساب الأمم المستضعفة ونهب خيراتها ومنعها من مسك زمام أمورها بيدها. إنه لا غرو في القول إن من بين ركائز ترسخ مكانة البعث وثباته وشموخه؛ علاوة على فكره وتنظيمه وخطه النضالي العام ومنهجه المقاوم الجهادي وعدم مساومته على ثوابت الأمة وحقوقها كاملة؛ هو ما يزخر به من كفاءات ورجالات وقيادات ومناضلين أذهلوا المتابعين من أعداء وخصوم ومراقبين بغزير عطائهم ومدى تشبعهم بعزيمة فولاذية لا تفتر وخاصة استعدادهم اللامحدود للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء راية العرب وكسر كل القيود الدافعة لاستعبادهم وإذلالهم .. يغص في هذا الصدد التذكير بفعل قيادات البعث ورجالاته على امتداد الوطن العربي كاملا؛ بل تبلغ صعوبة حصر الأمثلة للتدليل على أن البعث فعلا لا ادعاء سفينة لا يركبها إلا الشجعان ولا يمتطي صهوته سوى الفرسان الأصلاء النبلاء، مبلغا كبيرا. فلا مجال مثلا؛ لإسقاط القرار الجريء والشجاع الذي اتخذه القائد المؤسس ميشيل عفلق والتضحيات الجسام أثناء إقرار الوحدة بين مصر وسورية؛ ولا تسقط ذاكرة العرب الخدمات الجليلة التي قدمها قيادات البعث في كل معارك الأمة الكبرى سواء في سبيل الدفاع عن فلسطين أو الأردن والأحواز ودمشق وموريتانيا وغيرها .. هل لموضوعي في الكون أن يقفز على الدروس والمواعظ المتلئلئة التي خلدها رجالات البعث في كل المناسبات والمحافل الدولية؟ أتراه ينسى جيمس بيكر رد الرفيق القائد الشهيد طارق عزيز في جنيف حيث علمه درسا قاسيا في الوطنية والديبلوماسية ؟ وهل يسقط الأداء الرجولي والبطولي المبهر لقادات البعث أثناء أسرهم ومحاكماتهم الباطلة بعد غزو العراق ؟ ألم يرفض فرسان البعث والأمة بقيادة الرفيق القائد شهيد الحج الأكبر وكوكبة رفاقه الأبرار كل أنواع المساومات والابتزازات الساقطة وعضوا على المبادئ والقيم بالنواجذ فقدموا أرواحهم فداء أمتهم وغدها الأفضل وقد عمدوه بدمائهم الطاهرة الزكية ؟ ومن سوى قيادات البعث ورجالاته الصابرين القابضين على الجمر؛ يقود أكبر الملاحم المقاومة في تاريخ البشرية كله ؟ ألم يواصل شيخ المجاهدين الرفيق المناضل المقاوم المجاهد عزت إبراهيم محاطا بخيرة الرجال الرجال ما بدأه سلفه ورفيق دربه القائد صدام حسين تخطيطا وتنفيذا؛ بنفس الحزم والعزم والإصرار والثبات والمكابدة وسط حصار كوني واستهداف دولي مركب لا يهدأ ؟ ومن غير رجالات البعث يذودون عن مصالح الجماهير في السودان ولبنان ويدفعون ثمنا باهضا في ذلك ولكنه لا يثنيهم عن أهدافهم ؟ ألم يدفع مثلا الرفيق الشهيد موسى شعيب حياته فقط لأنه انتصر لشعبنا العربي في لبنان وتصدى بالكلمة والسلاح لمخططات الأعداء فرسا وصهاينة وغيرهم ؟ ألم يتوجه اللبنانيون بلقب حبيب الكادحين ؟ من ينسى كيف اغتيل الرفيق القائد الشهيد الصادق الهيشري في تونس لأنه تجرأ على تعرية السياسات التغريبية للنظام في تونس ولدفاعه عن العراق ولبنان وحمله السلاح في ساحتيهما ما بين 1981و1984 حين اغتياله ليكون أول اغتيال سياسي في تونس بعد خروج المستعمر؟ ألم يكن الرفيق القائد الشهيد فوزي السنوسي الثاني على قائمة الاغتيالات السياسية بعد رفيقه الصادق خلال أربع سنوات فقط؟ ألا يتصدى البعثيون في الجزائر لكل مؤامرات الفرنكفونيين الانعزاليين العاملين على ضرب عروبة الجزائر وهدمها من الأساس ؟ إن الغوص في تعداد مآثر رجالات البعث والتدليل على تضحياتهم وانتصارهم اللامشروط للأمة وقضاياها عمل في غاية الدقة والصعوبة؛ فما أكثر الشواهد والحجج والبراهين ! أمن سبيل ههنا لإنكار ما خص به البعث فلسطين وشعب الجبارين من حظوة وعناية فائقة لم تنقطع حتى في أحلك الظروف؟ أيعقل القفز على قرارات البعث الثورية الشجاعة كتأميم نفط العراق وجعله نفطا لكل العرب؛ وكذلك الإصلاح الزراعي والخطوة الفريدة التي مشاها شجعان البعث ورجالاته بمنح الأكراد حكما ذاتيا لم تقدم على مثيله أعتى الديمقراطيات في العالم؟ إنه وبرغم الحملة الشعواء على البعث وكل محاولات ضربه واجتثاثه وشيطنته وتشويهه ببث الأراجيف والافتراءات الرخيصة؛ لم تحد بوصلة البعث ولم تخر همم البعثيين المثابرين الموزعين على كل سوح النضال سواء المسلح في فلسطين والعراق والأحواز أو المدني السلمي في بقية الأقطار العربية الأخرى .. ولقد فضحت أحداث الربيع العربي كل المشارب السياسية في الوطن العربي؛ حيث سقطت الادعاءات الثورية كلها وانكشفت المنفعية والانتهازية المتأصلة في كل العائلات من إسلاموية متاجرة بالضمائر والأوطان وصولا لعلمانية متدثرة بحداثة وتقدمية زائفة؛ وفندت رغبات هؤلاء في التلذذ بمفلخر السلطة مزاعهم وخاصة فيما يتعلق بالمسألة الوطنية ببعدها القومي وانعكاساتها على الأمن القومي العربي وبالتالي على مستقبل جماهير أمتنا. وبناء على كل ما تقدم؛ ازدادت قناعة العرب بأن لا مدافع حقيقي ولا مترجم فعلي لسبل نجاتهم سوى البعث وما يحمله من مشروع نضالي شامل عماده التفاني والاستبسال في سبيل صد أجندات الأعداء ومساعيهم التخريبية المهددة للحياة العربية في الصميم. ويبقى الفضل كل الفضل في ذلك للخصال النضالية النقية التي حازها البعثيون قيادة وكوادر ومناضلين تشهد لهم الدنيا بمبدئيتهم ووفائهم وبتساميهم عن صغائر الأمور وترفعهم عن المغريات مهما كان حجمها.