نشأته : ولد الشهيد في يوم الاثنين من ربيع الأول عام 1937 في قرية العوجة التي تقع على نهر دجلة جنوب قضاء تكريت ، من عائلة مسلمة فلاحية متواضعة، نشأت على القيم العربية الأصيلة كالكرم والشهامة والنخوة والصدق والشجاعة واغاثة المحتاج ومساعدة الآخرين واحترام الجار وتكريم الصديق والضيف ... هذه القيم التي نشأ عليها شهيد العصر التي تركت آثارها عليه منذ نعومة أظفاره ، إضافة لتأثير قيم الدين الاسلامي الحنيف . كان والده فلاحاً متواضعاً ، وقد توفى والده قبل ولادته ، فكفله خاله المرحوم خير الله طلفاح الذي كان قومياً متحمساً ، وكان ضابطاً في الجيش العراقي ومن دعاة العروبة وممن ساهموا في ثورة رشيد عالي الكيلاني في مايس 1941 ، كذلك ساهم في أواسط الاربعينات في تأسيس حزب الاستقلال والذي كانت أهدافه وطنية ومعادية لكل نفوذ أجنبي في العراق . سجن لمدة خمس سنوات بعد ثورة رشيد عالي الكيلاني بسبب مشاركته الثورة .انتقلت رعاية شهيد الحج الاكبر الى عمه الحاج ابراهيم الحسن الذي كان يعمل مزارعاً في قرية العوجة . دخل الشهيد المدرسة الابتدائية وعمره تسع سنوات ، وقضى طفولته في الريف حتى السنة الثانية من الدراسة المتوسطة حيث انتقل الى بغداد ليدرس في ثانوية الكرخ عام 1955 .وفي العاصمة العراقية كان حزب البعث العربي الاشتراكي قد أصبح بمستوى قيادة قطرية آنذاك .اسباب أنتماء شهيد الحج الاكبر لحزب البعث العربي الاشتراكي :في تموز 1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس ، وأصدر حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي بياناً في 29 تموز جاء فيه : ( أن تأميم مصر للقناة هو نصر جديد للسياسة العربية التحررية ، ومعركتها هي معركة الشعب العربي كله ضد اعدائه من الصهاينة والمستعمرين والرجعية المتآمرة المتعاونة معها ..)وقد قامت مظاهرات في بغداد والموصل واربيل والكوت والحي ، كما اضربت جميع الكليات والمعاهد العالية ، وفي 21/ 11/ 1956 خرجت مظاهرات ثانوية الاعظمية ودار المعلمين وأضرب طلاب مدارس الكرخ جميعها وخرجت مظاهرة من ثانوية الكرخ فتصدت لها الشرطة وأجبرت الطلاب على الاعتصام داخل المدرسة ، وقد أدت المظاهرات العنيفة الى تعطيل الدراسة في مدارس بغداد المتوسطة والثانوية .في هذا الجو السياسي الذي شهدته بغداد ، وتلك المظاهرات تركت أثارها على شهيد العصر مثلما تركت آثارها على الكثيرين غيره . وفي هذا التاريخ بدأ أنتماؤه الى حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي وجد فيه تعبيراً عن قيمه وأفكاره ، ووجد فيه صلابة لا تلين واصراراً على التحرر مهما كانت التضحيات .. وبانتماء شهيد الحج الاكبر الى حزب البعث بدأ التحول في حياته السياسية .وبوقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 تحول شهيد العصر صدّام حسين المجيد من طالب اعتيادي الى قائد جماهيري يقود الانتفاضات الطلابية ضد الحكم الملكي ، الذي أصدر قرار بغلق المدارس المتوسطة والثانوية والكليات وحتى اشعار آخر لكي تتجنب مضاهرات الطلبة التي عمت بغداد والمحافظات العراقية .يعود شهيد العصر الى تكريت ليقوم بمبادرات منها كتابة شعارات قومية ومفاهيم الجزب على جدران البيوت وفي الشوارع العامة في تلك الفترة الصعبة من نضال العربي والامة العربية ، وقد آثار العمل أستغراب منظمة الحزب في تكريت فهي لا تعلم من هو كاتب الشعارات .كان شهيد العصر كثير التردد على سامراء، وهذا التردد كان بسبب أنتمائه لحزب البعث العربي الاشتراكي . بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 أستبشر الشعب العراقي خيراً بازالة النظام الملكي وقيام الجمهورية . وشارك الحزب وحزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي في حكومة ائتلافية ، وقد اعترفت الجمهورية العربية المتحدة بالجمهورية الفتية ، واعتبرت أي اعتداء على العراق هو عدوان على الجمهورية العربية المتحدة .محاولة أغتيال عبد الكريم قاسم :وبدأ أنحراف عبد الكريم قاسم عن المسيرة الوحدوية ودعم الحزب الشيوعي الذي ألف منه منظمات مسلحة التي بدأت تضطهد أبناء الشعب . وتم اقصاء الضباط الاحرار ومنهم عبد السلام محمد عارف لكونه كان من دعاة الوحدة .وقف حزب البعث موقفاً مضاداً لنظام قاسم وذلك بسبب تأمره على الوحدة . وتحولت الجبهة الداخلية الى صراعات حادة جدا بين القوى الوحدوية وبين القوى اللاوحدوية .واعتقل شهيد الحج الاكبر في أكتوبر عام 1958 لمدة ستة أشهر مع من اعتقلوا من البعثيين لموقفهم المعادي لنظام قاسم . اعتقاله أجج في نفسه الرغبة والحماس والنضال من أجل الأمة العربية ضد المنحرفين والمرتبطين بالأجنبي خصوصا وانه وجد في مباديء حزب البعث الأصالة والوضوح من أجل أعادة بناء الأمة على أسس علمية .ثم أعتقل عام 1959 وفي هذا الموضوع يقول شهيد العصر في خطابه بمناسبة يوم 8 شباط 1980 : ( في أوائل عام 1959 كنت بالسجن ... كنت في موقف السراي ولكوننا قضينا فترة طويلة في هذا الموقف صارت عندنا علاقات مؤثرة مع المسؤولين عن هذا الموقف ، فصار بعض المناضلين يأتي ويشكو لنا عدم مقدرته بالظهور في الشارع خشية من الحبال الديمقراطية للشيوعيين العراقيين ، وكنا نتوسط إدارة السجن حتى يعتقلوهم طوعياً ، وكان فعلاً بعض المناضلين البعثيين الذي يدخل السجن يجد نفسه أصبح في وضع أكثر أمناً من وجوده في الشارع .على أثر الحكم بالاعدام على عبد السلام قدم ستة وزراء قوميين استقالتهم بضمنهم فؤاد الركابي يوم 27 / 2/ 1959 . هذه البداية التي انتهت أخيراً بذلك القرار التاريخي الجماعي الذي اتخذته القيادة القطرية باغتيال الرأس المنحرف عبد الكريم قاسم .وقد وصف شهيد الحج الاكبر تلك الفترة بقوله : ( قبل 8 شباط 1963 هّبت على العراق ، عاصفة صفراء .. عاصفة شعوبية .. وعاش العراق محنة حقيقية ، وامتحن أمتحاناً عسيراً أمام المباديء وشرف الوطنية وشرف المباديء القومية وكان لا بد من فارس ينقذ الأمة من محنتها وينقذ الشعب العراقي من محنته ، فكان الفارس هو حزبكم ، حزب البعث العربي الاشتراكي .. لقد تجمع الشيوعيين تحت غطاء عبد الكريم قاسم ... وتحت اللواء المخزي للشيوعيين العراقيين فحولوا أرض العراق الى بحيرة واسعة من الدم ... وكانوا يريدون عزل العراق عن الأمة العربية وعن النضال العربي .لقد شارك شهيد الحج الاكبر في الرمي على سيارة قاسم من منتصف الشارع ، حيث قتل السائق ، واعتقدوا بإن قاسم قتل ، وسقط الشهيد عبد الوهاب الغريري ، وأصيب سمير النجم كما أصيب هو في رجله اليمنى . لقد ندم شهيد الحج الاكبر لأنه سمع كلام رفيقه الذي أخبره بأن الطاغية قد قتل ولا داعي لرشه مرو أخرى بغدارته . وصدر أمر بالقاء القبض عليه . وقد تمكن شهيد الحج الاكبر من الهرب بالرغم من اصابته ، وأعلن في بغداد منع تجوال جزئي ، ويصل الشهيد الى بستان يقع في الكاظمية سبق وان زاره مع خاله قبل سنتين ويستريح فيه ، وفي صباح اليوم التالي خرج بملابس عربية واشترى حصاناً ليسلك طريقاً بعيداً عن مخافر الشرطة ، ووصل مدينة سامراء وتجنب المرور من وسط المدينة خشية أن يعرفه أحد ، وواصل سيره باتجاه مدينة الدور التي وصلها عند منتصف الليل وعبر النهر سباحة الى الجهة الأخرى رغم برودة ماء النهر في شهر تشرين ، وهناك التقى باخيه غير الشقيق الاكبر للرئيس الراحل صدام حسين دهام ابراهيم الحسن الذي نقله على دراجته الهوائية الى قرية العوجة . كان هناك شخص آخر ينوي الرحلة بنفس الاتجاه واستطاعة منظمة الحزب أن تهيء لقاء بين الاثنين .وفي خطابه بمناسبة 8 شباط 1980 يقول الشهيد: ( بعد أن توغل عبد الكريم قاسم في أهانة الشعب العراقي وفي أسالبيه الديكتاتورية المنحرفة تصدى له شباب صغار مناضلون ، كانوا صغاراً في العمر ولكن كانوا مناضلين بكل معنى الكلمة ، تصدوا له في شارع الرشيد بناء على أمر من قيادة الحزب وأطلقوا عليه النار في وضح النهار .وفي 30/ 10 كان مضيف نايف الزيدان جاهزا لاستقبال شهيد الحج ورفيقه وبعد يومين ، اتفقى على شخص اسمه ( دحام شمران النمر ) ليكون دليلاً لهذة الرحلة .في 2/ 11 عبروا الحدود بدت الفرحة على وجوهم في منطقة ( للبوكمال) وفي اليوم التالي عبروا نهر الفرات وقابلوا بعض المسؤولين العسكرين وسألوا عن بعض الرفاق العراقيين .سافر الشهيد الى ديرالزور واستقبلهم الرفيق أمين الحافظ وكان وقتها المسؤول عن المنطقة الشرقية . ومنها سافر الى دمشق وبعدها الى القاهرة .وفي القاهرة أكمل دراسته الاعدادية ودخل كلية الحقوق ، وخلال وجوده في القاهرة أستطاع أن يستقطب جميع الرفاق البعثيين في مصر في تنظيم حزبي مقتدر وعبر التزامه بالنهج المبدئي والعقائدي السليم ، وتدرج في مواقع قيادية متقدمة ، حتى صار عضواً بارزاً في قيادة الحزب في مصر.وبعد قيام ثورة 14 رمضان ( 8 شباط 1963 ) عاد الشهيد الى القطر ليتولى مسؤولية حزبية وهي عضوية مكتب الفلاحين المركزي . وخلال الأشهر التسعة من عمر الثورة كان لشهيد الحج الاكبر آراء نقدية صائبة في أسلوب العمل الحزبي وقيادة السلطة . فقد كان شديد الدعوة الى المباديء التي رباه عليها الحزب .وقال القائد المؤسس رحمه الله في حق شهيد الحج الاكبر ( ان بروز القائد التاريخي العظيم لهذه الامة في شخص الرفيق صدّام حسين يمثل أنجاز عظيماً في التجربة ، دليل وشهادة على أصالتها ، أنجاز تاريخي ان تنجب هذا النموذج الفذ الملهم المتمثل في شخص الرفيق صدّام حسين ، انه دليل حيوية وتجدّد وأنبعاث وأصالة في آن واحد ).