بمعزل عن تراثنا العربي خضعت مجموعة من العبيد العراقيين، أو من نُسِّبوا تزويراً للعراق، إلى أوامر سادتهم في الإدارة الأميركية والنظام الإيراني، وراحوا يطبِّقون عبوديتهم على شعب عراقي عُرف بالإباء وعشق الحرية. كما راحوا ينهشون بثروات العراق سرقة ونهباً وفساداً، فعاثوا بالعراقيين تجويعاً وإهمالاً. لقد استعبدوهم خلافاً لما قاله عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ). وجوَّعوهم متناسين أن علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين ، قال : ( لو كان الجوع رجلاً لقتلته ). لقد استعبدوهم على قاعدة التوجيهات الأميركية القائلة بأنه لا حرية لأحد إلاَّ بالمقدار الذي يخدم فيه العرق الأميركي الأبيض. وإلاَّ بالمقدار الذي تجيزه لهم فتوى ( الولي الفقيه ). فالإدارة الأميركية لا ترى من الديموقراطية إلاَّ ديموقراطية ( اقتصاد السوق )، أي هامش الحرية الذي تتيحه مصلحة جيوب كبار الرأسماليين الأميركيين. وتتيحه مصالح إدارة ( اولياء الأمر ) من الحاكمين باسم الله، فحكَّموا ( الولي الفقيه ) برقاب البشر والشجر والحجر. وهذا وذاك لا يرى في مصلحة الشعوب أكثر من أنهم زمرة من المأمورين الخاضعين لإرادة من ولُّوا أنفسهم حاكمين باسم الرأسمالية، إله المادة والثروات، أو حاكمين باسم الله على قواعد تحريف ما جاء في القرآن الكريم. عندما حكمت العراق مجموعة من هؤلاء العراقيين، أو المنسَّبين إليه تزويراً، فإنما دانت لمن يؤمن بالاستعباد مبدأ ومنهجاً في الحياة. ولا منهج لهم إلاَّ بالعيش على هامش الحياة موبوئين بلثوة ثنائية ( السيد والعبد ). لم يدر هؤلاء أنهم بتطبيق أوامر أسيادهم لن تدوم لهم كراسيهم، بل هم يجلسون على كراسي تهتز من تحتها براكين تتكون وتتراكم حممها لتنفجر من تحتهم، وتقذف بهم سخاماً وناراً تحرقهم مع أسيادهم. وما نار البراكين التي تتكون وحممها إلاَّ من غضب شعب آمن بأنه حرٌّ كما ولدته أمه، حرٌّ كما خلقه الله واعتنى بتكوينه، كما خلق فيه حالة الغضب والتمرد على أوامر وأحكام خارجة عن مشيئة الأحكام التي غرسها الله في نفوسهم غرساً، لا يمكن اجتثاثها لا بإرادة سيد ولا بغير إرادته. هكذا هو شعب العراق، كما هو الشعب العربي، ذلك لأن هذا وذاك نشأ على أحسن تكوين من إرادة الثورة ضد كل ما يتناقض مع قواعد وأحكام ومبادئ إنسانية، فكيف به لو تربى على أسس دينية وأخلاقية ترفض استعباد الناس وسرقة لقمة عيشها. ولذلك، ومهما خُيِّل لكل آمر ممن ابتلي بهم شعب العراق بأنه سيغرس العبودية قسراً في نفوس العراقيين، فلن يرتضى شعب العراق لنفسه، مهما طال الزمن، أن يكون عبداً لأحد.