من قصص التراث والتاريخ قرأنا عن مواقف رجال ونساء وهم يودعون أبنائهم وأخوتهم الذين يستشهدون في ساحات القتال ، وكنا نتعلم منها مواقف وعبر مجرد ما نقرأها ونحن لم نعش أحداثها ، لكننا اليوم في معارك ثوار العشائر في العراق ضد الاحتلالين الأمريكي والايراني وعملائه من الصفويين نشاهد ونعيش مواقف لرجال شجعان بمواقفهم صابرين ومحتسبين وهم يودعون أولادهم من الشهداء ، وماجدات مؤمنات صابرات يكتبن القصائد التي تبشر بالجنة لشباب من عوائلهن استشهدوا في معارك الجهاد . ( أبو الخطاب ) مجاهد شاب كان أهله ينتظرون أيام لاكمال اجراءات حفلة زواجه عندما بدأ ثوار العشائر العربية في الفلوجة بمواجهة القوات الصفوية التي تنفذ المخطط الإيراني . وفي تلك الأيام غاب عن أهله وترك موضوع زواجه خلف ظهره ، ولم يعرف أحد منهم أين هو الا بعد مدة حيث اتصل بهم وأخبرهم أنه يقاتل مع ثوار العشائر في الفلوجة ، وأستمر بهذا الغياب منذ ذلك الوقت حيث تنقل ما بين الفلوجة وسامراء وتكريت ومكيشيفة، وتجده يكون بالمكان الذي توجد فيه معارك ، حتى استشهد في آخر معركة مقبل غير مدبر ، وشهد رفاقه على شجاعته طيلة المعارك التي شارك بها، وفي كل المعارك كان يكبد مع رفاقه العدو خسائر . عندما وصل خبر استشهاده لوالده ، لم يجزع أو ينشغل بالبكاء على الرغم من ان فقدان فلذة القلب أصغر الأبناء يستوجب ذلك ، لكنه صلى ركعتين لله سبحانه وتعالى ، وقرأ سورة ياسين وأهداها إلى روحه الطاهرة ، وفي مجلس الفاتحة ألقى كلمة عن سيرة الشهيد ، وأكد بأنه فخور باستشهاد ولده حيث إنه منحه وسام ليكون ( أبو الشهيد ) ، وأنه بعون الله سيأخذ بثأر الشهيد صدام حسين وكل شهداء العراق ومنهم ولده . أما عمته الماجدة العلوية النعيمية فلم يكن موقفها مثل مواقف النساء التي تتغلب عليها العاطفة والتي تتمثل بالعويل والبكاء والحزن ، بل إنها كتبت قصيدة بعنوان : ( لله درك لم تأنس بدنيانا ) * تخاطب بها الشهيد وتبشره بالجنة وما أعد الله سبحانه وتعالى للشهداء ، وفي مقطع منها تتحدث مع شقيقها أبو علي النعيمي ( أخو فاطمة ) وتطلب منه أن لا يحزن لأن الشهيد في جناة الخلد ، أما المقطع الأخير من القصيدة فهو خطاب للمجاهدين وكأنها تتحدث بلسانهم وكيف هي امنياتهم . وهذه أبيات القصيدة : إلى الشهيد المجاهد ( أبو الخطاب ) : لله درك لم تأنس بدنيانا ولم تسر خلف طيف الزيف خذلانا ولم تٌعفر جبين العز مبتذلاً تستمطر الذل إصغاءً وإذعانا بل عشت مٌسعر حرب في كتائبنا تٌرغي وتٌزبد إعصاراً وبركانا واليوم ألقى جواد المجد راكبه وخر مؤتلق الأحداق فرحانا اليوم زٌفُّ إلى الحوراء عاشقها وبات في خدرها المأنوس ريانا وغنُّت الحور لحن الحٌب مطربة إهنأ بعيشك محبوراً وجذلانا فعاد يهتز في عطفيه مؤتلقاً يميد بين بنات الحٌسن نشوانا هذا الذي كان يرجوه وينشده فناله وحباه الله رضونا إلى أخي أبو الشهيد : فربأ بدمعك لا تحزن على سفر قد حطُّ في جنبات العدن مرساه فالدمع ليس على الأبطال نسبلهٌ ولا على من سرت للمجد رجلاهٌ ولا على من علت في الزحف صيحتهٌ وخط بالسيف وسط الحرب مثواهٌ الدمع أحرى بمن تٌغريه لذته ويلعق الذل لهثاً خلف دنياه إلى المجاهدين رفاق الشهيد : هذي الشهادة يا أبطال ملحمة من البطولة والأمجاد نرويها فأنقش على وجنة الجوزاء قولتنا نيل الشهادة عزٌّ عزُّ مٌعطيها فالله قد وعد الأبطال منزلة مع النبيين في أعلى أعاليها رباه رباه ذابت مهجتي فرحا إلى الجنان فبلغها أمانيها قصص شهداء العراق اليوم ونحن نعيشها نتعلم منها وتتعلم الأجيال القادمة مثلما تعلم أجدادنا ، أن التضحية من أجل الدفاع عن الدين والعرض والوطن هي مهمة الرجال الذين يضحون بأغلى ما يملكون ( الجود بالنفس أغلى غاية الجود ) ، وعندما يكون في الأوطان مثل هؤلاء الرجال فلا مكان لمحتل غادر فيها مهما كان عدده وعدته ، والنصر والتحرير هو الموقف النهائي الحتمي للثوار . رحم الله الشهيد ( أبو الخطاب ) وأدخله الجنة ، ومنح والديه وأخوته وأقاربه ومحبيه الصبر والسلوان ، وبارك الله بموقف والده وعمته التي هي دروس تتعلم منها الأجيال . * القصيدة أرسلها أبنها ( أبو محمد الطائي )