بعد وقوع العراق تحت الاحتلال الأميركي المباشر وبعده الاحتلال الإيراني من الباطن، تغيرت معالم كثيرة، واستبدلت أسماء شوارع وميادين ومواقع عسكرية، بأسماء جديدة وكانت نسبة الفارسية منها هي الأعلى، والتي أتت في سياق خطة ممنهجة لفرسنة الحياة المجتمعية في العراق. لكن ما لفت النظر هو أن الإعلام تداول اسماً لموقع عسكري في محافظة صلاح الدين يعرف بقاعدة "سبيكر" وبالتدقيق في طبيعة هذا الموقع، تبين أنه كان قاعدة جوية عراقية تحمل اسم قاعدة البكر ويحتوي على إنشاءات منها أكاديمية طيران عسكري. وهذه القاعدة كانت من الأهداف العسكرية التي جرى التركيز عليها خاصة بعد خروج قوات الاحتلال، وتحولها إلى مركز تجمع للميلشيات الحكومية التي كانت تنفذ عمليات أمنية وعسكرية ضد المقاومة العراقية وضد الانتفاضة الشعبية. وان تتحول هذه القاعدة مع منشاءاتها إلى مراكز عسكرية لتشكيلات العسكرية السلطوية وذات التركيب الميلشياوي بنية وسلوكاً، فهذا أمر طبيعي لأن هذه المنشأة هي قطاع عام، ومن يقدم نفسه بأنه سلطة عامة ورسمية، يعتبر إشغاله لهذه المواقع إنما يندرج ضمن وضع الحكومة ليدها على المرافق للعامة. ومن لم يعرف لما سميت هذه المنشأة العسكرية بإسم "سبيكر" فعليه أن يعرف الحقيقة، وهي أن "سبيكر" هو طيار أميركي كان يقود سرب طائرات إبان الحرب على العراق عام / 1991، وأسقطت طائرته بالنيران العراقية. ولهذا أراد الحاكم الأميركي أن يكرم هذا الضابط الطيار وأن تسمى واحدة من أهم القواعد الجوية العراقية بإسمه. إن حال "بريمر"، كحال كل مستعمر أو محتل، يريد ان يترك أثراً في البلد المحتل أو المستعمر، حيث تسمى شوارع ومناطق بأسماء قادته العسكريين. لكن ما أن يخرج المحتل أو المستعمر حتى تبادر السلطة الوطنية إلى إبدال الأسماء بأخرى وطنية وهذا ما لم يحصل في العراق. إذ بقيت القاعدة العسكرية تحمل اسم "سبيكر" وهي كانت من أكثر المواقع العسكرية التي شهدت قتالاً فيها وحولها بين المقاومين للاحتلال بطرفيه، والتشكيلات الميليشاوية الحكومية. وهنا يطرح التساؤل، لماذا لم يغيّر اسم القاعدة بعد الانسحاب الأميركي؟؟ أن الجواب على هذا التساؤل يكمن بطبيعة التركيب السلطوي الذي كان يتولى الإدارة الحكومية في ظل الاحتلال واستمر بعده. فهذا التركيب هو نتاج الاحتلال، ومن يكون نتاج سلطة، إنما يكون أسير توجيهاتها. هذا من جانب، أما من جانب آخر، فإن من يغرق العراق بمظاهر الفرسنة، ويتصرف على قاعدة الالتحاق بمن يمسك بناحية القرار السياسي والأمني الفعلي، يعتبر أن إسقاط تسميات أجنبية على منشآت وطنية، إنما هو أمر طبيعي وبالتالي فإن لإبقاء على ما قررته سلطة الاحتلال، إنما هو من باب حفظ الود ورد الجميل ولأنه بدون هذا الاحتلال، لما كان هؤلاء الذين تولوا الأمر في السلطة. وهنا يتبادر إلى الذهن سريعاً، هل خلا العراق بحاضره وماضيه من شخصياته الوطنية المبدعة حتى يستعان بأسماء شخصيات أجنبية؟ ان القضية ليست في ندرة الشخصيات العراقية المبدعة، فالعراق هو الأغنى، وهو لا يحتاج إلى شهادة بذلك، ولو كانت السلطة أطلقت أسماء شخصيات أجنبية قدمت خدمات جلى للعراق، لكان الأمر مفهوماً، لكن أن يطلق اسم من كان يقذف بحممه النارية لقتل البشر ويدمر الحجر ويحرق الشجر على منشأة وطنية، فهذا العار بعينه، إلا إذا اعتبر قتل شعب العراق وتدمير معالمه الحضارية هو الخدمة الجلى.ويبدو هكذا بالنسبة لأطراف العملية السياسية. إنه لعار، ان تطلق أسماء عدوة، قتلت الشعب على ناصيات منشاءات وطنية. لكن العار يصبح "مأثرة" عند من لم يستح من التعامل مع الاحتلال والوصول إلى السلطة على دباباته. ان هؤلاء لا علاقة لهم بالوطنية ولا علاقة لهم بكل منظومة القيم الاجتماعية وهم في سلوكهم لا يفصحون عن عمالة موصوفة وحسب، بل يستفزون الشعور العام لشعب هو الأغنى بتراثه القيمي في كل حقول الإبداع البشري.واذا كان الشيء بالشيء يذكر فيكفي التذكير بأن من يقدم على تدمير نصب ابي جعفر المنصور وما يجسده من رمزية تاريخية، ومن ينهب آثار العراق لمحو الذاكرة التاريخية لشعب تبلورت معالم الحضارات الإنسانية على أرضه، لا يرى غضاضة، في إطلاق تسميات أجنبية عدوة من أميركية وفارسية على معالم حياته. إنه مجرد أداة تنفيذه في مخطط تفريغ الشخصية الوطنية من مكنوزاتها الحضارية، وهذا ما يعطي للصراع الدائر في العراق وعليه بعداً حضارياً بجذر تاريخي إضافة إلى أبعاده السياسية والاقتصادية وهنا تكمن أهمية دحر هذا المشروع العدواني المحمول على رافعة العدوانية الأميركية ورديفتها الإيرانية.