عندما نتحدث عن الجيش العراقي تظهر امام بصيرتنا صورتين متناقضتين لحالة الوصف نتلمس من خلال كل صورة تاريخ ومواقف ومواصفات وقدرات وواجبات وسياسات وامكانيات مختلفة لتاريخين مختلفين لجيش واحد هو الجيش العراقي . لقد مثل الجيش العراقي في صورته الأولى منذ تأسيسه الرسمي في العام 1921 حالة من الرفعة والسمو والعظمة والشجاعة والأنضباط والوطنية وحسن التنظيم قل نظيرها بالقياس الى تاريخ وافعال جيوش المنطقة العربية او الأقليمية . لقد كان هذا الجيش العظيم حارسا شرقيا للأمة العربية وصمام الأمان في جميع الظروف والمنعطفات والأحداث التي مر بها العراق وشعبه فهو جهاز أنشأ وطنيا وبسواعد عراقية مثلت جميع مكونات الشعب العراقي بعربه وكرده مسلميه ومسيحييه مما مثل نوعا من التوازن فيما بين مكونات الشعب من جهة وبين الدولة والمجتمع من جهة اخرى وتميز عن مؤسسات الدولة العراقية الأخرى بوطنيته وعلو شأنه وتربيته النموذجية الخاصة بأعتباره يمثل اهم مؤسسة في الدولة الحديثة وشغل كثير من قياداته وضباطه مراكز وظيفيه هامة فكان منهم رؤساء للعراق ورؤساء وزارات ووزراء وشخصيات سياسية وقادة احزاب كبار مما مكنه ان يكون موضع ثقة لجميع شرائح المجتمع العراقي واليد الطولى التي تعكس ارادة الجماهير والأنتماء الى تطلعاتهم وأحلامهم حتى أمست العسكرية واجب وطني وقومي وانساني للدفاع عن حرية الوطن وسيادته وآمال الشعب والأمة وحرية المواطن وحقوقه المشروعة . لقد كان للبناء العقائدي للجيش العراقي اثرا كبيرا في سلوكيات افراده وفي انجاز الواجبات الموكلة اليه وعندما نتحدث عن العقيدة تستحضر امامنا عقيدتين مهمتين للجيوش اينما وجدت فالعقيدة السياسية وهي مجموعة القيم والرؤى السياسية التي تسيطر على قلوب وعقول المقاتلين وضميرهم الوجداني اضافة الى القيم والمباديء السياسية والمعنوية التي تحدد مناهج وسلوكيات افراد القوات المسلحة للوصول الى اعلى درجات الأعداد والأنضباط والسيطرة وبالتالي النجاح في تنفيذ الأهداف الموكلة للجيش وطنيا او قوميا او انسانيا اما العقيدة العسكرية فهي التي تعالج التسليح والتنظيم والتخطيط العسكري والمباديء العامة المتعلقة بالصراعات المسلحة ونظرية الدولة في تخطيطها اللوجستي والأستراتيجي وفهمها لطبيعة الصراع الذي تواجهه وكيفية ادارتها لهذا الصراع وكيفية استخدام مواردها الأستراتيجية المختلفة للظفر بالأنتصار ومما لا شك فيه ان النظام السياسي لأي بلد يتحكم في عقيدة ومهام وتنظيم وتخطيط الجيش الواقع تحت امرته وكلما بني الجيش على اسس وطنية سليمة نال رضى الشعب وحبه وتعاونه الدائم والعكس ايضا صحيح . كان الجيش العراقي حتى الأحتلال الأمريكي للعراق مدرسة قتالية وعلمية وانسانية كبيرة حاضت رضى الشعب بكل اطيافه وافرزت كوادر علمية وعسكرية وقيادية كبيرة لم تستطيع الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق ان تسلب من هذا الجيش العظيم ولاءه للوطن والشعب وقدراته الهائلة لحماية حدود العراق وامن وسلامة اراضيه والدفاع عن الأرض والمقدسات العربية اينما وجدت . وما ان جاء الأحتلال الأمريكي للعراق حتى تغير التاريخ وفقدت العسكرية رونقها وجماليتها فتغيَرت القيادات واختلفت الحسابات واختلت المواقف وذابت الخصائص بمؤامرة كبرى على العراق وشعبه وعلى الجيش بشكل خاص وكوادره فتبدلت الواجبات وتناحرت العقائد وحل الحقد والضغينه وتصفية الحسابات مكان واجبات العز ومهمات الشموخ فبعد ان كان الجيش العراقي حاميا لأمتدادات الأرض العربية امسى عاجزا عن حماية العراق وشعبه وزج في واجبات داخلية ودخيلة لم يعهدها الجيش في السابق كما ان قرار حله سرح مئات الآلاف من منتسبي هذا الجيش العظيم وكوادره القيادية فحرم بذلك العراق من امكانيات هائلة وقدرات واسعة شهد على خسارتها الأعداء قبل الأصدقاء وما اعقب ذلك من بناء جيش جديد كل شيء فيه مختلف عما سبقه فعقيدته مختطفة ودوافعه باطله وعقلياته متخلفة وفساده مستشري حتى اصبحت العسكرية لباسا فضفاضا لا يحمل قيم العسكرية الحقة من مروءة وشجاعة وايثار وحسن سلوك وحلاوة ادءا ولا يمتلك قوة السلاح وقوة الوطنية وحسن التنفيذ ولا يمتلك اي احساس بالقيم الأجتماعية والأنسانية التي خلقت الجيوش من أجلها وبعيدة كل البعد عن هموم المواطنين وامنهم والوطن واستقلاله وحمايته حتى ضاعت كل المقاييس وتحولت الولاءات الوطنية والقومية الى مذهبية وطائفية ومصلحية وأصبح الولاء للأشخاص بدل من الولاء للوطن والجيش لحماية النظام بدلا من حماية المواطن والمناصب تشترى وتباع ولم يعد هناك كفاءات ولا اخلاص ولا نزاهه ولا قيادة عسكرية ناجحة وضاعت المناهج والسياسات وافتقدت التقنيات والأساليب وتاهت الطرق التي تضمن كفاءة التنظيم وقوة التسليح وعظمة الأرادة فلم يعد مقبولا الحديث عن الوطنية او القومية ولا العدالة اوالمساواة او غيرها من الشعارات الهامة التي كان يتنور بها ويتسلح بقوتها ابناء القوات المسلحة حتى اصبح الجيش العراقي مجرد اعداد غير قادره على حماية امن الوطن والمواطن فأستعان بجيوش وخبرات اجنبية ورهن القرار العراقي بيد حفنة من المرتزقة الذين يرقصون طربا عندما يقتل العراقي . فشتان مابين جيش وطني يحبه الأهل ويهابه الأصدقاء وبين جيش ضعيف توجهه الجهلة وتسوقه مخططات الأعداء انهما تاريخان وليس تاريخ واحد وجيشان وليس جيش واحد وصفات ومناهج وسلوكيات وادوار مختلفة تمام عما كان في السابق وهذا ما يريده اعداء العراق لكي تسهل استباحته وهدر طاقاته وليبقى ضعيفا كلما كان ذلك ممكنا وجيش كهذا لا نريده لأنه لا يلبي حاجاتنا ولا يحمي مقدساتنا ولا يحقق الأمن لأنساننا فالمطلوب العودة الى المنابع الحقيقية الى الزهو والأفتخار الى الوطنية الحقة الى البناء الصميمي للقوات المسلحة الى القيم الأنسانية الكبيرة التي كان يتمتع بها جند العراق واي جهود ثانوية لا تغير من الواقع شيء لأن السواقي لا يمكن ان تكون صالحة للأرواء اذا لم تنظف منابعها ومصادرها الأصليه بالعودة من جديد الى نفس القيم والمباديء الوطنية الحقة التي قامت عليها اسس البناء الأول للجيش العراقي والتي عكست ارادة الجماهير العراقية ونالت حبها وتلاحمها المصيري فكانت عاملا مهما لتحقيق انتصار الجيش العراقي في كافة معاركه السابقة.