لم يتعرض العراق في تأريخه المعاصر لمؤامرة كونية بهذه السعة والوحشية والعداء كما هو حاله اليوم ،فالعراق ومنذ قيام الحكم الوطني عام 1968 تعرض للعشرات من المؤامرات والاعتداءات واكثر من عدوان مسلح وحرب ظالمة كانت ابرزها حرب الثمان سنوات مع نظام الملالي في ايران 1980 ـ 1988 ،ثم العدوان الوحشي الذي قادته اميركا عام 1991 وشاركت فيه 33 دولة ، واعقبه اكثر من عدوان في الاعوام التي تلته،وقد سبق ورافق كل ذلك حصار جائر استمر 13 عاماَ،وواصلت الولايات المتحدة عدوانها بفرية "امتلاك العراق اسلحة محرمة" لتقوم باحتلال وتدمير العراق عام 2003 وبمشاركة الجارالايراني "المسلم "! وتقيم سلطة وضعت على رأسها عملاءها ممن دخلوا مع قوات الاحتلال وتركت للنظام الايراني اليد الطولى ليبسط نفوذه ويبث احقاده وسمومه على البلد والشعب الذي كسر شوكته وهزمه في اكثر من واقعة اخرها القادسية الثانية التي سقت كبيرهم ( خميني ) سم الهزيمة والهوان ،ورغم جسامة التضحيات وغزارة الدماء التي سفكت وفداحة الخسائر والتباين في الامكانات فقد هزمت ارادة وصلابة وصمود وصبر العراقيين..ارادة الشر، فاجبر المحتلون على الانسحاب عام 2011 تحت ضربات المقاومة العراقية الباسلة بجهدها الذاتي وسلاحها المتواضع، ودون اي عون او مساعدة لا من قريب او صديق او بعيد، وبعد اقل من سنتين اوشكت السلطة العميلة رغم الدعم والوجود الاميركي والايراني حيث العساكر وفيلق القدس والحرس الايراني وعشرات المليشيات المرتبطة بهم والتابعة لاحزاب السلطة اضافة الى الجيش والشرطة التي فاق تعدادها المليون ..على الانهيار بعد الهزائم المدوّية لهذه القوات امام ثوار العراق من ابناء العشائر فتحررت محافظات نينوى وصلاح الدين واغلب مدن محافظة الانبار واجزاء كبيرة ومدن وقصبات كثيرة من محافظتي ديالى وكركوك وبغداد التي دكتها الصواريخ وصار الثوارقاب قوسين اوادنى من ابوابها ،فتعالى عواء وعويل الاعداء،وجاء الحراك بهذه السرعة والكثافة لمنع انهيار السلطة وايقاف زحف الثوار لاسقاطها بحجة درء مخاطر الارهاب الذي هم صنّاعه والذي بالغوا في تفخيم مخاطره ليس على المنطقة حسب، وانما العالم اجمع وبما يتهدد، كما يدّعون، المصالح القومية لاميركا وحلفائها فحشدوا لهذه الحرب الكونية حتى الان 50 دولة بينها 10 عربية! تكون بدايتها تنفيذ ضربات جوية مكثفة داخل الاراضي العراقية وقيل انها ستمتد لتشمل الاراضي السورية ايضاَ، وكانت السبّاقة في شن حربها على المدن العراقية هي الولايات المتحدة التي تقوم طائراتها المقاتلة وبدون طيار بضربات منذ اكثر من اسبوعين تلتها ضربات فرنسية ،وشمل هذا التحرك اقليم كردستان الى جانب الشروع بالتسليح والتعهد بتدريب واعداد هذه الجيوش المنكسرة اضافة الى قوات البيشمركة اذ وصل مئات الخبراء والمستشارين لهذا الغرض ،والنشاط باتجاه احياء "صحوات الغدر " وبثوب ومسمى جديد بالاستفادة مما يسمى بجيش ( الحشد الشعبي ) ، كماضغطت واشنطن على تشكيل حكومة عراقية جديدة يشرك فيها الجميع وبالذات المحافظات المنتقضة فتشكلت حكومة ( حيدر العبادي ) الناقصة للخلاف على حقيبتي الدفاع والداخلية!. وبنظرة استقرائية سريعة وبالاعتماد على خلفية من المعرفة بسياسة وتفكير وعدوانية الاميركان التي خبرها الجميع ومثالها ماحصل في الصومال وافغانستان والعراق، وبمتابعة لتصريحات المسؤولين من الرئيس ( اوباما ) الى وزيري الخارجية ( كيري ) والدفاع ( هيغل ) و رئيس هيئة الاركان ( ديمبسي ) ورؤساء ووزراء خارجية ودفاع اكثرالدول تحمساَ في هذا الحشد الدولي والحلف الاطلسي والمعنيين من دول المنطقة ولما صدرمن مقالات وما تناولته وسائل الاعلام..يتضح ،بما لايقبل الشك، ان ما تطبخه واشنطن ،بحجة التصدي للارهاب، هو الاخطرعلى العراق والعرب ،ومكامن الخطورة تتلخص في الاتي :ـ 1 ـ الهدف ابعد من التصدي للارهاب.. وهو العودة الى احتلال العراق مجدداَ ونهب ثرواته، ولكن هذه المرة بشكل غير مباشر، من الجو وبحشد دولي متذرعة بالحرب على الارهاب ، تهرباَ من التورط في مواجهة الثوار ورجال العراق الاصلاء اذ مازالت صورة الهزيمة وفداحة الخسائر والدروس التي تلقنوها على ايدي رجال العراق الاصلاء والتي اضطرتهم الى الانسحاب..لاتفارق مخيلتهم ،،هذا في البداية على الاقل فالاحتلال يتطلب التواجد على الارض، و ( اوباما كاذب ) عندما اكد اكثر من مرة على ان بلاده " لن تنجر الى حرب برية" باعتباران استعادة الارض من مهام القوات الحكومية العراقية والبيشمركة الكردية! الا انهم يناقضون انفسهم عندما يقرون ان هذه القوات غير قادرة على المواجهة وثبت عجزها خلال ثلاثة اشهر في استعادة المدن المحررة التي خرجت عن سيطرتهم !وكما هو معروف َ، وباعتراف الاميركان، فان ضربات الجو غيركافية للحسم وان التدخل برياَ تفرضه الوقائع والتطورات، وفي هذا اشارة واضحة الى ان التدخل البري وارد، وان ما يطلق اعلامياَ هو للتضليل فضلاَ عن ان عدداَ من الدول ابدت الاستعداد لارسال قوات برية مثل استراليا وغيرها ، كما ان ( ديمبسي ) رئيس الاركان الاميركي ،في جلسة الاستماع للجنة الدفاع والخارجية في الكونغرس اكد " ان تدخل القوات البرية الاميركية مشروط بطبيعة العملية العسكرية كأن تكون كبيرة مثل استعادة مدينة الموصل!" مضيفاَ "ان هذه القوات البرية الاميركية ستدخل للقتال الى جانب القوات العراقية اذا ما دعت الحاجة لذلك "!! . 2 ـ وفي مقدمة الاهداف ..القضاء على ثورة الشعب او تعطيل زحف الثوار الى بغداد لاسقاط السلطة الفاسدة والعملية السياسية التي اوشكت على الانهيارلعجزها وهزيمة قواتها من جيش وشرطة وميليشيات مدعومة بالحرس الايراني وفيلق القدس بقيادة ( قاسمي سليماني ) ، فسقوط سلطة بغداد التي اقامتها وتدعمها الولايات المتحدة يعني فشل للسياسة الاميركية في المنطقة وفي العالم اجمع،وضربة قاصمة لمخططاتها في استعمار جديد للمنطقة باعادة رسم خارطة جديدة لتحويل بلدانها وتحديدا العربية الى دويلات هامشية وكيانات هزيلة لاتهش ولاتنش وبما يصب في مصلحة الكيان الصهيوني ليظل الاقوى والمتفوق على دول المنطقة. وكذلك يعني ضربة لسياسة "الفوضى الخلاقة" التي تطبق على دول المنطقة العربية لاغراقها بالمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار ،وهذا ما يمكن تلمسه بما تشهده المنطقة من فوضى وفقدان للامن والاستقرار في اكثر من قطر عربي، لعل ابرزها ما يحصل في اليمن بعد زحف الحوثيين ودخولهم العاصمة واحتلالهم رئاسة الحكومة والبرلمان والاذاعة والعديد من المؤسسات وفرضهم،وبالقوة،لشروطهم ومطالبهم ويقف وراءهم النظام الايراني الذي يلعب على المكشوف في بسط نفوذه وتنفيذ مخططاته للتوسع على حساب الامة العربية وبضوء اخضر وتواطؤ اميركي مفضوح. 3 ـ العودة الاميركية للعراق تهدف كذلك الى الايغال باضعاف الامة العربية واستهداف اقطارها الكبيرة والمؤثرة وذلك بتفتيت وتجزأة الاقطار العربية و البدء بالعراق بتفعيل مشروع نائب الرئيس الاميركي ( جو بايدن ) بتقسيمه الى ثلاثة كيانات هزيلة غير متصافية وجعلها في نزاع وخصام وتقاتل ، ولعل اخطر الحلقات في ذلك هو ما تضمنته الفقرة الاولى من ميثاق عمل الحكومة الجديدة التي تنص على تحويل متطوعي "الجهاد الكفائي الى حرس وطني" يكون رديفاَ للجيش الحكومي ،اي ميليشيا فئوية ومناطقية خاصة لكل محافظة من ابنائها ! وفي هذا تسريع لمشروع بايدن التقسيمي وكل الخونة من دعاة التقسيم والاقلمة ،كما انه مسمى جديد لتشكيل صحوات غادرة جديدة على غرارما حصل في عام2008 هدفها شق الصف الوطني ووحدته واستهداف ثورة الشعب العراقي والغدر والطعن من الخلف بكل مناهضي سلطة العمالة الفاسدة وكل قوى الشر والاحتلال والوجود الاجنبي المعادي وبالاخص النفوذ الايراني المستشري. ما المطلوب .. ؟ ان التحشيد الدولي للحرب على العراق وبذريعة مكافحة الارهاب هو مؤامرة كونية امبريالية ـ صهيونيةـ فارسية بقيادة الولايات المتحدة تعد الاخطر على العراق والامة العربية ،وما حصل للعراق وشعبه ،على مايبدو، لم يحقق للقوى الشريرة وبالذات خلال 11 عاماَ من الاحتلال..اهدافها فارادة وعزيمة شعب العراق لم تهن او تضعف رغم وحشية ما حصل ، وما زال رجال العراق يقاومون ببسالة المحتلين وسلطتهم واي وجود اجنبي ، وما زالت القوى والاحزاب الوطنية لها وجودها الفاعل على الساحة ودورها الرائد في عملية التحرير والخلاص ، وعودة هذه القوى الوطنية هو ما تخشاه السلطة واسيادها ولعل تسيّد ها وتقدمها ركب الثوار الذين هزموا قوات السلطة واوشكوا على اسقاطها "هو القشة التي قصمت ظهر البعير" فكان هذا التحرك الذي تقوده اميركا اليوم بهذه السعة والكثافة وهو ما يعكس مدى خطورته التي يجب اخذها بجدية وحيطة وحذر ، فالحرب الكونية بـ 50 دولة ورصد المليارات ، ليس لمحاربة الارهاب بضربات من الجو، وانما هو احتلال العراق مجدداَ والايغال في اذلال وظلم شعبه، وتقسيمه الى دويلات هزيلة ستمتد لاقطار عربية اخرى اذا لم تكن بحرب مماثلة ففي اطلاق يد ايران لتتمدد باتجاه الاقطار الخليجية بعد العراق وسوريا ولبنان واليمن وصولا الى البحر المتوسط ووفقا لاهداف ملالي ايران المعلنة لتشكيل "الهلال الشيعي" وبما يحقق حلم اعادة "امبراطورية فارس الكبرى" على حساب العرب ، فالمؤامرة ليست هينة وتتطلب عراقياَ اضافة الى وحدة الصف ودعم الثورة الشعبية واسنادها بكل مقومات الصمود ،وافشال مخططات الاعداء برفض شعبي واسع لهذه الحرب بكل الوسائل ( تظاهرات ونشاطات وفعاليات مختلفة ) وفي كل المحافظات وهذه مسؤولية وطنية يجب ان يكون لرؤساء العشائر والوجهاء والمثقفين دورهم في الدعوة لها وتصدرها والتأريخ يسجل ولا يرحم !؟ والاهم افشال قرارتشكيل صحوات جديدة تحت مسمى ( الحرس الوطني ) في المحافظات الست المنتفضة بالذات حفاضاَ على وحدة البلاد وبما يفشل خطة بايدن التقسيمية ومن معها من الخونة والعملاء من دعاة الاقلمة والتقسيم ،ان حرب اوباما الكونية هي الاخطر في تأريخ العراق المعاصر وضرورة التصدي لها بكل الوسائل وعلى كل الاصعدة ليس عراقياَ فقط وانما الواجب على الامة العربية ان تضطلع بدورها للتصدي لما يحاك ضدها وما يعد لها من طبخات كبرى بهدف اضعافها وتفتيت اقطارها لابتلاعها ونهب ثرواتها ،فالتهاون فيما يتهدد العراق يعني ضياع الامة ! فهل يعي الحكام العرب..! وهل يتعضون !!؟.