يتردد، هذه الأيام، أن رئيس حكومة الاحتلال الجديد حيدر العبادي يسعى للتفاوض مع بعض فصائل الثورة العراقية، ونحن ندرك، ولا نريد أن نستبق ما سيسفر عنه هذا السعي، أن العبادي يريد تحسين صورته ليشرع بمنع انهيار العملية السياسية التي جعلها الثوار على حافة الهاوية، مع يقيننا أن العبادي لا يختلف عن المالكي إلا بالاسم وأن السياسة التي ينفذانها واحدة، ولا يُخدعن أحد منكم أن المالكي كان ظالماً شديداً، وتم استبداله بالعبادي لأنه رحيم أو لين أو يمتلك مرونة، فالعبرة ليست بالاسلوب، وإنما بالنتائج. المفاوضات المزمع عقدها في أربيل او عمان بين ممثلي الحكومة وهذه الفصائل، في تقديرنا، لن تصل إلى نتائج مرضية للشعب، وهي قد تعود بفوائد مادية على من سيبتلع طعم هذه المفاوضات، التي لا ندري على أي أسس ستقوم؟ هناك رأي يتبناه مجلس شيوخ عشائر الثورة العراقية ومجلسه العسكري، والذي تحدثت مع رئيسه رعد السليمان أنهم يذهبون إلى هذه المفاوضات مع حكومة العبادي لإيقاف نزيف الدم العراقي وإعادة النازحين إلى ديارهم، ويشترطون أن تتم هذه المفاوضات تحت خيمة دولية مع تقديم ضمانات دولية بتنفيذ ما سيتم الاتفاق مع الحكومة، لأنهم لا يثقون بوعودها، وليس من العقل تجريب المجرب، وهو رأي محترم لكنه ليس الوحيد في الساحة، فهناك رأي سمعته من آخرين يقول إنه إذا طالبت الفصائل الموافقة على التفاوض بحث مطالب رفضتها حكومة المالكي من المتظاهرين ثم المعتصمين، فهذه ليست مطالب، وإنما حقوق كمثل إطلاق سراح النساء المعتقلات والمعتقلين الأبرياء وإلغاء الاجتثاث، وستكون مناقشتها مع الحكومة الجديدة أمراً باهتاً للغاية، والمطلوب أن تعطي الحكومة الساعية للمفاوضات هذه الحقوق قبل البدء بأية مفاوضات. ورأي يتبناه أغلب من تحدثت معهم يركز على تأكيد حقوق العراق والتمسك بها في اي مفاوضات، ويعد أن المفاوضات الفردية لا تجدي نفعا، وأنه ينبغي الدعوة إلى مؤتمر شامل بضمانات عربية ودولية لا يستثني احداً تنبثق عنه حكومة انتقالية مستقلة لمدة سنة. وهناك رأي يقول إن التظاهرات والاعتصامات الشعبية عندما تطورت إلى ثورة شعبية أصبحت لها استحقاقات هي ليست ملكاً لمن سيذهب إلى المفاوضات، وإنما هي استحقاقات الشهداء الذين قضوا في المواجهات العسكرية أو بالبراميل المتفجرة التي القتها قوات الحكومة على المواطنين الأبرياء، أو الذين قتلتهم الميليشيات الحكومية في المساجد والجوامع والشوارع والبيوت والمعتقلات. وبعد أن تقر حكومة العبادي بإعطاء هذه الحقوق وتعطيها فعلاً يتم التفاوض معها على إلغاء الميليشيات وتقديم مرتكبي الجرائم والملطخة ايديهم بدماء العراقيين إلى المحاكم المختصة للاقتصاص منهم، وإزالة العملية السياسية التي فرضها الاحتلال لأنها أس البلاء وإلغاء دستورها الذي لم يكتب بأيد عراقية، وإعادة النازحين والمهجرين والمهاجرين والبدء بتأسيس جيش وطني عراقي يمثل العراق ولا يمثل طائفة سياسية واحدة، هي التي جاء بها الاحتلال، ومشاركة العراقيين جميعاً، ومن دون استثناء في انتخابات نزيهة في ظل عملية سياسية يتوافق عليها العراقيون، وما عدا ذلك فإن الشعب لن يلتفت إلى الذين يهرعون إلى مثل هذه المفاوضات وسيبقى معتصما بثورته حتى تطهر له أرضه وتحرر له وطنه من جميع إفرازات المحتل، لأن العبادي، وهو ابن حزب طائفي إرهابي، لن يترك اللعبة الطائفية وسيستثمرها إلى أبعد مدى ويواصل الحرب على الشعب التي بدأها أسلافه، وسينطبق على الذاهبين إلى المفاوضات المثل العراقي ( تيتي تيتي مثل ما رحتي جيتي )، أما الذين سيبتلعون طعم العبادي فسيعودون بمكاسب لأنفسهم وأحزابهم ولتشو جلود أبناء الشعب بالمتفجرات ولتزهق أرواحهم بكواتم الصوت ولتظل سياط الجلادين تمزق ظهورهم. قسم من الذين تحدثت معهم وجدتهم يائسين من إمكانية إلغاء العملية السياسية ودستورها ورفع الاجتثاث متذرعين بالإرادة الأمريكية، وهذا صحيح، من جانب، وبالغ الخطل والخطأ من جانب آخر، فصحيحه أن أمريكا فعلا تريد ذلك، وخطله وخطأه أنه لم يتطرق إلى ما يريده الشعب وثورته وهما الرقم الأصعب في المعادلة. وعلى الرغم من احترامي للرأي الذي طرحه الشيخ رعد السليمان، والذي فيه حرص كبير على نازحي المحافظات المنتفضة، فإن يقيني التام أن أية مفاوضات مع وكلاء الاحتلال وأذنابه لن تجدي نفعاً ولن تغير من الأمر شيئاً، حتى لو تمت تحت رعاية دولية، فأنا رأيت في حياتي من لبس الوطنية ثوباً ثم خلعه وانقلب إلى طائفي، ولكني لم أرَ طائفياً تحول إلى وطني. خلاصة القول إننا يجب أن ننتبه إلى أن مثل هذه المفاوضات قد تكون محاولة لشق صفوف الثورة التي عجزوا عن شقها إلى الآن، وسيجد من وافق على المفاوضات أنه خرج منها صفر اليدين من تحقيق أي مطلب، فلا حل مشكلة النازحين الذين يعيشون وضعاً إنسانياً صعباً ينبغي للعالم الالتفات إليه، ولا حرر المعتقلين والمعتقلات ولا حصل على ضمانات بتحقيق أي من مطالبه، فالتجارب السابقة أثبتت أن حكومات الاحتلال تنكث بالتزاماتها بالسهولة التي توافق على هذه الالتزامات.. ونعود لنقول أن لا حل إلا بالثورة الشاملة التي كلما اقتربت من تحقيق أهدافها أشغلوا الناس بلعبة خبيثة من ألعابهم كالمفاوضات وغيرها.. وإذا استطاع مجلس شيوخ عشائر الثورة العراقية ومجلسه العسكري تحقيق ما يريد عن طريق هذه المفاوضات فسأكون أول من يأخذ له تعظيم سلام.