الثورة في أحد وجوهها هي تحدي لا يمكن إطلاقا حساب كل ما يتعلق ويرتبط به من متغيرات، ولا يمكن أيضا أن تحشر نفسها في هوامش زمنية محددة مع الإقرار بضرورة أن تكون خارطة رمل العقل الاستراتيجي للثورة محيطة بمعظم التفاصيل والجزئيات والاحتمالات. والثورة ركوب للبحر لا يمكن أبدا لمن يقدم عليه أن يخشى موجه المتلاطم ولا يحسب احتمالات الغرق ويخشاه لأن مَن يسقط في متاهات الخوف من المجهول ليس ثائر، تماما كما إن مَن يهمل احتمالات تتعلق بممكنات المجهول هو أيضا ليس ثائر. نعم .. مَن يركب بحر الثورة لا يخشى الغرق ولا يقيم وزنا له لأن الاضطرار المُلجئ للثورة في أحد أهم حيثياته هو اضطرار لإعادة صياغة الحياة عبر نحر ودحر أنماط من الظلم والاضطهاد والتعسف وانسداد أفق السعادة كركن لا تستغني عنه الحياة وأرسل الله سبحانه من اجل سعادة الإنسان الرسالات والكتب والأنبياء والرسل، وإعادة تركيب الواقع الجديد بما يحقق الرفاه والرخاء. والثوار حين يطلقون العنان لفعل ثورتهم المباركة فأنهم يدركون أنهم يصنعون الحياة، ومَن يسقط منهم شهيدا فهو لا يُفنى، بل يعلو بروحه إلى السماء ليصير قمرا يشع ضياءا في مسارات رفاقه ويصير جوهرة في كنوز سفر الوطن والأمة والدين. والثوار من أهل العلياء والعفة المطلقة أو شبه المطلقة والنفوس المؤمنة السامية النبيلة لا يثورون إلا وفي حساباتهم احتمالين لا ثالث لهما: النصر أو الشهادة. الثورة لا تحصل كفعل إنساني متفرد من أجل أهداف مادية أو سلطة، بل تحصل من اجل أن تزول كل عوامل قهر الإنسان، والسلطة ما هي إلا ناتج عرضي للثورة وليس هدف مركزي من أهدافها. وعليه فان الالتحاق بالثورة وممارسة أجندة النصر أو الشهادة يجب أن يكون هو ميثاق الشرف الأعظم الذي يمهد الطريق لتوافق قوى الثورة على ميثاق شرف حفظ القيم العليا للثورة وأهدافها، وعدم الغدر في ما بين عناصرها ومواردها البشرية وتشكيلاتها الجهادية. إن إقامة نظام وطني قومي إسلامي تقدمي مدني ديمقراطي يؤمن بالتعددية وبحق الشعب في ممارسة السلطة والتغلب على عوامل الشرذمة والفرقة التي بثها الاحتلال وأدواته في العراق منذ عام 2003م عبر جيوشه وأسلحته الفتاكة وما قامت به من إجرام بحق العراق وشعبه أو عبر العملية السياسية المدنية الاحتلالية هو المعيار الطبيعي الذي يجب أن تمسكه كل فصائل وجيوش الثورة المباركة، ومَن يعمل خارجه أو بما يخالف ضوابطه وضروراته السياسية والاجتماعية يعرف تماما انه يخرج من روح الثورة حتى وإن كان عنصرا من عناصر حركتها الآنية وانه سيجد نفسه إن آجلا أو عاجلا بمواجهة الشعب العراقي الأبي والجميع يعرف إن شعب العراق انتصر على تحالف الغزو الذي ما حصل له مثيل في تأريخ الكون، وعليه فان أي طرف يعمل عكس تيار وتوجه وأهداف ومآلات الثورة النهائية لن يكون سوى هدف صغير أمام إرادة شعب العراق الجبارة وأمام العراق الذي يعرف العالم انه مهد الحضارات والتمدن بكل عناوينه وأوصافه ومكوناته المادية والروحية. والله أكبر.