الحراك الوطني الواسع والمتصاعد في مدن العراق الثائرة،حراك منطلق من قرار شعب العراق في استرداد أمنه وحقوقه وكرامته، والأهمُّ من كلِّ ذلك، استرداد سيادته الوطنيَّة المُصادرة منذ دخول قوَّات الغزو الأمريكي أرض العراق وإنهاء دولته الوطنيَّة وفرض حفنة من المجرمين واللصوص والخونة الطائفيِّين على شعب العراق بقوَّة السلاح. لقد عانى شعبنا العراقيُّ خلال السنوات الاثنتى عشرة المريرة الماضية من تجربة الاحتلال البغيض، من مزيجٍ بشع من حملات السجن والتشريد والجوع والحرمان والتصفيَّة العرقيَّة والطائفيَّة التي قادتها ونفَّذتها أجهزة الحكومة الأمنيَّة والعسكريَّة، وميليشيات الأحزاب الطائفيَّة بدعمٍ واسناد وتخطيط أمريكي- إيراني. وتعرَّضت ثرواته المعدنيَّة والطبيعيَّة إلى نهب منظَّم، واحتُلَّت مساحات شاسعة ومهمَّة من أراضيه من قبل النظام الإيراني. وتعرَّضت هُويَّته الوطنيَّة والقوميَّة إلى مخاطر جدِّيَّة نتيجة التغلغل الإيراني الواسع في الأجهزة الحكوميَّة والمؤسَّسات السياسيَّة والدينيَّة والاجتماعيَّة. الثورة المُتصاعدة ليست وليدة الأشهر أو الأسابيع القليلة الماضية، وليست امتدادًا للتظاهرات والاعتصامات التي شهدها العديد من مدن العراق كما بات يتردَّدُ. بل هي حلقة متطوِّرة لمقاومة شعب العراق الوطنية مشروعَ الاحتلال الأمريكي الإيراني، ورفضه القاطع لعمليَّة هذا الاحتلال السياسيَّة الهدَّامة القائمة على المحاصصة العرقيَّة والطائفيَّة.فلا غرو أن كانت أهداف الثورة المتمثِّلةُ في شعارات الثوَّار وخطبِهم وبياناتهم، تُعبِّر عن أهداف وطنيَّة، وطموحات أبناء شعبنا وأهدافهم، وتخلو من المطالب الفئويَّةِ والأهداف المناطقيَّة والطائفيَّة. إنطلاق الثورة وتوسُّعها في مدنٍ ومناطقَ جغرافيَّةٍ مُعيَّنة لأسباب معروفة لا يلغي مشروعيَّتها الوطنيَّة، ولا يعني على الإطلاق أنَّ فعل الثورة ونشاطها محصوران في رقعة جغرافيَّة مُحدَّدة، أو أنَّ مدن العراق الأُخرى بعيدة عن الثورة وليست جزءًا منها! خلال الأسابيع الماضية، تعرَّضت ثورة استرداد العراق، كما هو متوقَّع،إلى حملة تضليليَّة منظَّمة، ركَّزت على إلغاء مشروعيَّة الثورة وهويَّة منفِّذيها، قادتها الإدارة الأمريكيَّة والنظام الإيراني،حليفها الجديد في المنطقة. اختزال هذا الحراك الوطني الواسع في منظَّمة مجهولةِ الهُويَّة وحديثة التكوين، مسألة مفهومة الدوافع. فسبق أن تعرَّضت المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة منذ انطلاقها إلى مثل هذه التهمِ الواهيةِ. شعب العراق ليس شعبًا مُعاقًا، وتجاربه التاريخيَّة في مقارعة المحتلِّين الغزاةِ ودحرهم موثَّقة. لا شكَّ أنَّ القوى الوطنيَّة العراقيَّة قد دخلت مرحلة النضج السياسي منذ عقود طويلة، وأنَّ برامجها السياسيَّة وإنجازاتِها على الصعيد النضال الوطني، سواء خلال المرحلة التي سبقت الاحتلال أوبعده موثَّقة أيضًا، ويصعب طمسها. أيعقلُ أن ينجح فصيل حديث التكوين ومحدود العُدَّة والعدد في هزيمة ثلاث فرق عسكريَّة مُعبئةٍ طائفيًّا للقتل والإبادة، ومُجهَّزةٍ بأحدث الأسلحةِ الأمريكيَّة في ساعات قليلة! ضرورات هذا المنعطف التاريخي والخطر من تاريخ نضال شعبنا ومساعيه لاستراد كرامته وسيادته، تفرض على أبناء شعبنا كافَّة دعم الثورة ماديًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا، ورفدها بكلِّ مستلزمات النصر والنجاحِ، في مقدِّمتها تصعيد الرفض الشعبي لحكومة العمالة والطائفيَّة. كما أنَّها تفرض على جميع القوى والتجمُّعات الوطنيَّة المُناهظة للاحتلال وعمليَّته السياسيَّة،العملَ الجادَّلإنهاء حالة الانقسام بتوحيد الصفوف. وحدة القوى الوطنيَّة العراقيَّة المؤيَّدة والمساهمة في الثورة، غدت ضرورة استرتيجيَّة مُلحَّة لضمان زخم الثورة وديمومتهاوتحقيقها أهداقها، وأهمُّها إزالة العمليَّة السياسيَّة ورموزها، وقبر الفكر الطائفيِّ المقيتِ، ودحر المشروع التوسُّعي الاستحواذي الإيراني،وبناء الدولة العراقيَّة الوطنيَّة المستندة على مشروع مواطنةٍ حقيقيَّة، وعلى احترام حقوق الإنسان وبناء المؤسَّسات الدستوريَّة والسياسيَّة القائمة على الخيارات الوطنيَّة الحرَّة والتعدديَّة السياسيَّة.