بتاريخ السادس والعشرين من نيسان، من العام 2014، بثَّت قناة الميادين مقابلة مع نوري المالكي، رئيس حكومة العراق المحتل، وأدار الندوة الأستاذ غسان بن جدو، الذي يدير القناة ويشرف على سياستها. وهذا دليل على اهتمام القناة بالشخصية التي حاورها المسؤول الأول في المحطة. إلى هنا، يبقى الخبر عادياً، كما يبقى ضمن دائرة حرية الإعلام التي لا نحترمها فحسب، بل إننا نقدسها أيضاً. ولكن ما هو غير عادي، وليس له علاقة بالحرية والديموقراطية، هو أن تبادر قناة يجب أن تُحسب نصيرة للحق العربي، وأن تُحسب نصيراً للديموقراطية، على قاعدة احترام القيم الإنسانية والوطنية والأخلاقية. وإذا كان من حق الإعلام علينا أن نحترم حريته، فإن من واجبه أيضاً أن يحترم القيم الأخلاقية والوطنية. وبناء عليه، فإننا نتوجه إلى الأستاذ غسان بن جدو، الذي كنا نكن له الاحترام، خاصة عندما انفصل عن قناة الجزيرة. وكنا نراهن على أن يخطو بتأسيسه لقناة الميادين باتجاه الدفاع عن القيم الوطنية والأخلاقية، وأن لا يحابي دفاعاً عنها كائناً من كان. إن إجراء مقابلة مع من انتهك الديموقراطية في أقبح صورها عندما ارتكب جريمة الخيانة العظمى بحق وطنه، لهو تناقض مع رسالة الإعلام وحريته. وهذه الجريمة تشمل بشكل واضح، تعاون المالكي مع أكثر من جهة أجنبية وراح يفشي أسرار الدولة العراقية قبل الاحتلال، وأدى تعاونه هذا إلى العدوان على وطنه، واحتلاله، واستكمل مهمته بأنه أسهم بتشكيل حكومة تحت سلطة الاحتلال. كان تعاون المالكي مع الأجنبي، مع من يشاركه اليوم في الحكومة التي شكلها الاحتلال، وما يزال حتى الآن ضالعاً بتلقي الأوامر من الخارج ضد مصلحة الدولة العراقية التي يزعم أنه يحافظ على سيادتها. إن الأستاذ بن جدو بإقدامه على إجراء ما سمَّاه حواراً مع نوري المالكي، يكون قد خالف بذلك المبادئ الإنسانية والوطنية والأخلاقية، وأشاح بوجهه عنها لكي لا يؤنبه ضميره. وخاصة أنه يعلم أن الاحتلال باطل، وكل ما ينتج خلال وجوده باطل. وقد أبطلت القوانين الدولية شرعية كل ما يقوم به الاحتلال. وحيث إن تشكيل مؤسسة الحكومة العراقية التي يرأسها المالكي تمت تحت سلطة الاحتلال وبأوامر منه، فهي حكومة غير شرعية. وبإقدامه على الحوار مع رئيسها، فهو يعترف بشرعية زائفة، وبمثل هذا الحوار فهو يسهم بتضليل الرأي العام. وإذا كنا نحترم حرية الإعلام، لكون الحرية قيمة إنسانية وأخلاقية عليا، فإن من حقنا على الإعلام أن نطالبه بالامتناع عن تضليل الرأي العام. وإن التضليل الذي أسهم به الأستاذ بن جدو ليس حقاً ديموقراطياً له ولا لقناة الميادين. لقد اقتطع بن جدو من تاريخ العراق المعاصر، مرحلة أكبر جريمة ارتكبها العدوان الخارجي وعملاؤه بحق العراق والعراقيين، وبذلك أراد أن يمحي كل تلك الجرائم التي يأتي في المقدمة منها، جريمة الخيانة العظمى التي أرتكبها المالكي وكل من شاركوه في الجريمة من العملاء الصغار. وبهذا الاقتطاع يريد أن يمحو من ذاكرتنا كل أثر أو دليل يؤكد عمالة المالكي وخيانته. وعلى قاعدة تبييض الأموال غير الشرعية، كمفهوم إقتصادي، فقد عمل الأستاذ بن جدو، وقناة الميادين، على تبييض جرائم الخيانة الوطنية للمالكي وعملائه، ومسخها لتصبح وكأنها حق ديموقراطي، أو أن مرور الزمن يستطيع أن يلغيها، بينما التاريخ لم يستطع أن يقوم بتبييض تلك الجرائم منذ آلاف السنين. نقول هذا، ونناشد قناة الميادين، وعلى رأسها الأستاذ بن جدو، أن لا يجعلونا نترحم على مرحلة أنطوان لحد الذي عيَّنه العدو الصهيوني قائداً لـ ( دويلة الشريط الحدودي ) في جنوب لبنان. لأن هناك من يعمل على تبييض جريمته تحت قاعدة ( عفا الله عما مضى )، لأن تبييض جريمة الخيانة العظمى ولو لمرة واحدة فيه من الإغراء للكثيرين بأن يرتكبوها طمعاً بالعفو عنهم فيما بعد. نقول هذا، ولنا وقفة أخرى لوضع دراسة عن ( جريمة الخيانة الوطنية ) في القوانين الدولية، ودساتير الدول، ومنها موقف الدستور الأميركي والدستور الإيراني منها. وأخيراً لنا حق على قناة الميادين أن يسهموا بشكل جدي وفاعل في محاربة تلك الجريمة الإنسانية والأخلاقية والوطنية، التي إذا انتشرت وسائل تبريرها وعمَّت، لكانت فيها نهاية السيادات الوطنية للشعوب على دولها وأوطانها.