لا بد للكثير من الأمور أن نتصارح بها، وأن نسلط الضوء على الحقائق التي قد تغيب عنا في زحمة الأحداث وتراكمها. و لا بد أيضاً أن نسمي الأمور بأسمائها بوضوح. لأن الواجب الأخلاقي يحتم علينا مكاشفة جريئة، تهدف إلى تشخيص كل الأحداث التي عصفت بأمتنا. علينا أن نعترف، أن أمتنا العربية تتعرض لهجمة شرسة من عدة أطراف ومحاور موغلة في عدائها، كما في دماء شعبنا، في محاولة للأنقضاض على الحاضر، ثأراً من التاريخ، وإجهاضا للمستقبل. وليس غريباً إن خسرنا معارك هنا أو هناك، وهذا ليس معيباً. ولكنهم يعرفون أننا أقوى من التحديات. وأن المحصلة الأخيرة ستكون لصالح أمتنا دون أدنى ريب. المسلمات هناك مسلمة أولى وأساسية أسمها فلسطين، هي بوابة الاستقرار، أو هي بوابة الاعاصير. واهم من يعتقد أن الحلول السلمية في ظل إغتصاب فلسطين قد تتحقق. لا عصابات الصهاينة، و لا التواطؤ الدولي، ولا انبطاح النظام الرسمي العربي، يملكون القدرة على فرض الأمر الواقع. فلسطين ، ليست شريط حدودي، على طرف نائي من حدود وطننا العربي الكبير. وليست منطقة قد يتناساها النظام الرسمي العربي. هي الوجدان المتشبع في داخل كل عربي، وهي القلب النابض نحو الحرية والوحدة. دونها، لن تستطيع أمتنا أن تنال حريتها، ولا أن تحقق وحدتها كضرورة تاريخية. المسلمة الثانية ، أن غزو وإحتلال العراق، ليس خسارة آنية أو مرحلية، أو أن تداعياتها قد نالت من هذا القطر ومن قيادته الوطنية والقومية، بل خسارة إستراتيجية قاتلة للأمة، فقد شكل العراق في ظل قيادته، العمق الهام للصراع مع العدو الصهيوني، والسد المنيع في وجه المشاريع الفارسية المتناغمة مع العدوانية الصهيونية، والقرار السياسي الوطني المستقل أمام الاملاءات الامبريالية، رافضاً أي رضوخ أو تبعية، واضعاً نصب عينيه ـ بالمواقف الفعلية ـ مصلحة الأمة العربية وأمنها بكل ابعاده في كل مواقفه. المسلمة الثالثة ، هو الحراك الشعبي السوري العادل والمشروع. فالنظام السوري ليس حالة تماثل أي نظام عربي آخر. فهو لم يكتفي بالقمع والفساد، بل شكل حالة خطيرة منذ ردة 23 شباط 1966، في سلسلة لا تنتهي من التآمر والتواطؤ مع القوى الاقليمية والدولية ضد الشعب السوري من جهة، وضد الأمة العربية من جهة ثانية. وكان أخطرها الارتهان لسياسة ومصالح الغرب، والحفاظ على أمن العدو الصهيوني، وتمرير المشاريع الفارسية المعادية. المسلمة الرابعة هي مصر، يجب عودتها للعب دورها العربي الريادي بما تمثله من ثقل تاريخي وسياسي و بشري، فهي العامود الفقري للوطن العربي. فالضرورة تحتم ان نساهم جميعاً في تحقيق هذه العودة. وان ندفع نظامها ـ بغض النظر عمن يكون ـ للتخلص من كل الانحراف الخطير الذي بدأه السادات، واستمر به مبارك، وأن ملامح وجه نظامها الجديد، لا بد ان تكون ملامح عربية أصيلة، تزيل عن وجهها كل الآثام التي طبعت عليه اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة. الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد أمام المسلمات الآنفة الذكر، فقد دخل محور الشر الامريكي ـ الصهيوني ـ الفارسي، ووفق سياسة توزيع الأدوار وتقاسم النفوذ والمصالح، بكل ثقله بعد أن فوجئ بحالة النهوض الشعبي العربي في أكثر من قطر، معتمدين أسلوب الاستيعاب والالتفاف من جهة، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والجهوية من جهة ثانية، وتدعيم "قواهم" المحلية من أنظمة ومنظمات من جهة ثالثة، ودفع "الإسلام السياسي" اللاهث للوصول للسلطة بأي ثمن، للواجهة من جهة رابعة وأخيرة. إذن، لم يضيع محور الشر الفرصة التي سنحت له. في ظل غياب الدور الفاعل والأساسي للتيار القومي العربي ـ ضمن ظروف ذاتية وموضوعية ـ من القيام بدوره المتوجب، وقيادة الحراك الشعبي العربي وتصويب مساره ورسم أهدافه. وهنا تمكن هذا المحور الشرير من الانقضاض على البدايات الأولى للحراك الشعبي العربي، ونظرة واقعية للحالة الآنية ترسم أمامنا كل العقبات والكبوات الماثلة أمامنا. نقطة البداية في جميع التحولات التاريخية لا بد من نقطة بداية واضحة المعالم والأهداف، تلحظ بموضوعية حالة الصراع، وتقرأ فيها العوامل الذاتية والموضوعية، و تنتقد كل المواقف بإيجابياتها وسلبياتها ـ دون جلد للذات ـ لاستخلاص الدروس، التي يعتمد عليها لرسم نقطة البداية. لا بد، من إعادة الرؤية والتصور والتحليل الموضوعي لكل الملابسات التي أدت. إلى انكفاء التيار القومي العربي. فالخسائر المرحلية ـ على فداحتها ـ يجب ان لا تشكل عائقاً أمام إعادة بعث الفكر القومي العربي الخلاق. وإحياء الخط النضالي الذي يشكل خشبة الخلاص للأمة. لا بد أيضاً، لجيل شباب الأمة أن يأخذ دوره في قيادة النضال، مرتكزاً على تجربة جيل الرواد الذين أثروا المسيرة بالنضال والفكر والممارسة. وأن يتعامل مع المستجدات الذاتية والاقليمية والدولية، وفق نظرة ثورية انقلابية تحقق الطموحات المطلوبة بالوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية. هذا الدور المطلوب، وفق الاطر الآنفة الذكر، ضرورة بالغة الأهمية لتصويب المسار القومي الثوري، إذ أنه يخلق التكامل الذي يحقق نقطة البداية الصحيحة، بين الفكر القومي، وروح الشباب الوثاب.