قبل عقد من الزمان قلنا أن المحتل الأمريكي لا يمكن أن يحمل للعراق و العراقيين إلا الخراب و الدمار و الانتقام من هذا الشعب الحي و الأبي الذي لم يتخاذل يوما عن أداء واجباته الإنسانية و القومية في كل المناسبات التي توالت طيلة عمر الدولة العراقية باختلاف حكوماته التي توالت على حكمه .. و كانت قضية العرب الأولى فلسطين هي شغله الشاغل منذ أن تدفقت العصابات الصهيونية الى أرض فلسطين و قيامها بالاعتداء على سكان فلسطين , حيث ذهبت أفواج من المتطوعين العراقيين من بغداد و كل مدن العراق الى فلسطين لصد تلك العصابات و مساندة ألفلسطينيين و الدفاع عنهم , و ليشارك جيشنا الباسل في حرب فلسطين عام 1948 و 1967 و 1973 بفعالية كبيرة .. و هكذا توالت مواقف العراق القومية المختلفة و التي كانت سهما مغروسا في خاصرة المصالح الأمريكية و شوكة قاسية أمام الدولة اللقيطة إسرائيل .. فكان لا بد أن يروض هذا الشعب و يعاقب على مواقفه التي حالت دون تنفيذ الإدارة الأمريكية و ربيتها الدولة العنصرية لمخططاتها التآمرية على العراق و العرب جميعا . و جاء الاحتلال ليتوج كل مساعي الدولة المارقة و اعتقدوا أن العراق أصبح خارج اللعبة ولا يمكن أن يأخذ الدور الذي كان يمارسه في تصدره و قيادته المنطقة العربية و يشكل أساسا في التوازن الدولي في هذه المنطقة المهمة في العالم من خلال وضع آلية جديدة في نظامه السياسي اعتمدت على مشروع بن كوريون رئيس وزراء الكيان الصهيوني عام 1954 من خلال مشروع بإيدن السيئ الصيت في تقسيم العراق الى ثلاث أقاليم سنية و شيعية و كردية و اعتماد المحاصصة الطائفية أساسا في هذه العملية السياسية و سلخه من حاضنته العربية بعد أن تم تدمير بنيته التحتية و تفكيك جيشه الذي كان يعد خامس جيوش العالم و إنهاء قاعدته الصناعية و الزراعية و الاقتصادية و أعادة الهيمنة الامبريالية على موارده النفطية . و هكذا بدأ عصر عراقي جديد لعراق ما بعد الغزو الأمريكي بعد أن تم تشكيل حكومة صورية لقيادته .. أساسها مؤتمر لندن و صلاح الدين للمعارضة العراقية التي جمعتها المخابرات الأمريكية ركلا بالأقدام من حارات أوربا كما يصفها أحد دهاقنة السي آي أي و تعمل هذه الحكومة المنصبة بأشراف الإدارة الأمريكية و مخابراتها . و بعد أكثر من قرن على الغزو و احتلال العراق و الذي أريد منه أن يكون بوابة لتغيير الأنظمة الشمولية في المنطقة و تقسيم دول الطوق العربي و من خلالها إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي .. نجد العراق اليوم بلدا متخلفا ينتهج عملية سياسية قبيحة أساسها الطائفية و تسوده شريعة الغاب و ينخره الفساد في كل مفاصله و صراع دامي على مناصب يتم من خلالها نهب الثروات و استخدام العنف كوسيلة لحل الخلافات و فاقد للأمن بسبب تفشي الإرهاب و استخدام الجيش كأداة لقمع معارضي هذه العملية السياسية حيث تتعرض معظم المدن العراقية لهجمات إرهابية حصدت عشرات الالاف من أرواح أبناء هذا الشعب و استخدام الجيش و القوى الأمنية و التي تم تشكيلها بدمج عدد كبير من مليشيات الأحزاب المشاركة بهذه العملية السياسية كقوة بيد الحكومة لضرب معارضيها و أصبحت هذه القوات تستخدم طائراتها و مدافعها و دباباتها لضرب المدن التي تخرج عن طوعها .. هكذا هو عراق اليوم و بعد أكثر من عقد في عمر نظامه الجديد و دستور كتبه المحتل .. بلدا مفككا و فاقدا لهويته و فاقدا لأمنه و وحدته و منهوبة ثرواته و مسرحا للتدخلات الأجنبية في شؤونه و مهدد بتقسيم أرضه بعد أن قطعوا شوطا كبيرا في تقسيم شعبه طائفيا و القضاء على الكثير من كفاءاته و تهجير الملايين من أبناء شعبه في ظل عملية سياسية تعتمد التهميش و الاجتثاث و التناحر و لا أمل في أصلاح أمره لعقود قادمة و هذا ما توقعته جريدة المستقلة في ذكرى الاحتلال الأولى عندما قلنا أن أعداء العراق لا يمكن إلا أن يجعلوه هكذا و لعقود طويلة حسب ما اعتقدوه .