تحتم المسؤوليات الدينية والأخلاقية والإنسانية الملقاة على عاتق خادم الحرمين الشريفين تعطيل توقيع واشنطن وطهران على "مشروع - مخطط" إقامة نظام أمن النفط الذي يعطل دور نظام الأمن القومي العربي والإسلامي. طهران استبقت الأحداث ووضعت العالم العربي كله، والخليج العربي تحديداً، أمام الخيار الصعب. فالأمن المفترض أن يحميه أهل الخليج الشرقي أولاً والعرب ثانياً، قد نقله حكام العراق، بتنازلهم عن هوية وتسمية وحدود "شط العرب" لصالح إيران، عبر اتفاق الأمن الأميركي - الإيراني، إلى حماية مشتركة بينهما على أمن الخليج والعراق العربي. إن لم نقل احتلال مباشر لمنابع النفط. الإتفاق- إنصافاً للحقيقة- لم يولد من فراغ، فلقد جاء محصلة طبيعية لمن تآمر وساهم في صفقة بيع العراق لبلاد فارس، ونهاية إجبارية لكل الأطراف التي غمست نفسها، أو غمسوها، في اللعبة العراقية ثم ( السورية ) ثم تخلوا عنها وأبطلوا حتى وعودهم الكلامية بمساعدة الثورة. صدق القول هو أن مساحة الخيار قد ضاقت على اللاعبين جميعاً، فهم أسرى أميركا العظمى التي تفرض خياراتها وتدرسها في آن. تعرف ما تريد سراً- وإن لم تقله علناً-. أين هي المملكة العربية السعودية من كل هذا..؟. وما هو موقف قيادتها مما ينصب من شراك لها وللآخرين، ما أكثر تلك الشراك عربياً، وإقليمياً، ودولياً .!. بل ما أكثر الشراك داخلياً أيضاً وأخطرها .! السعودية هي الهدف، من الاتفاق الأميركي- الإيراني الأمني النفطي الجديد، ويفرض عليها اتفاقات الأمن، وحيدة الطرف والقوة. فالمملكة العربية السعودية هي :أولاً : أرض الإسلام الأولى، فيها مقدساته: مكة المكرمة التي يتوجه إليها كل مسلمي الأرض في صلواتهم الخمس كل يوم، وحج العام. والمدينة المنورة لتي يهفو إليها قلب كل مسلم بما هي مثوى الرسول الأعظم (ص). ثانيا ً: أرض النفط الأولى، ففيها أكبر مخزون نفطي في بلد واحد في العالم، وهي وحدها التي تستطيع أن تدمر اقتصاد الحضارة الغربية، أو تمده بأسباب الحياة والنماء. وإذاً، فإن للمملكة شرعيتين : شرعية الدين التي يستظل بها النظام والمجتمع. وشرعية النفط الذي يحميها ويهددها في آن. يحميها بما يمنحها من قوة مالية، ويهددها بما يطمع بها الآخرين، كل الآخرين: عرباً، وإقليميين، ودولاً عظمى، أو كبرى .. وربما عالماً ثالثاً يتطلع هو أيضاً إلى فوائض مال النفط - إذا هو أبقى الغرب أية فوائض- ويتحلب ريقه من المساعدات.! نحن أمام وضع فريد في التاريخ، بلد كبير المساحة بحجم قارة، ويواجه ضغوطاً فوق طاقته. ضغوطاً من الأقربين والأبعدين، من الصغار والكبار. من الأغنياء والمتخمين والفقراء الجياع لأدوار ثم أموال. من الأقوياء بغير حدود للقوة والضعفاء إلى حدود الانهيار. من الداخل والخارج. من المؤمنين والملحدين. من الصادقين والمنافقين. من الشرفاء والخدم. من الخائفين منهم والخائفين عليهم. من تجار : ( السلاح والمتعة والمواقف والمشاريع والمنافع والخدمات ). كل أشكال الضغوط وتناقضاتها تصب في المملكة وتتجه إليها، طامعة بها صراحةً أو مواربة. باسم الدين، أو باسم القومية، أو باسم الشرعية الدولية التي هي اليوم أميركية أولاً والآخرون تفاصيل .! ولقد وجدت المملكة نفسها في مواجهة مشكلة متفجرة لا يد لها فيها. مشكلة تمت على حدودها وأثارت مخاوفها المشروعة. وقد تمت تغذية هذه المخاوف، بأساليب شتى، وحقائق شتى، وأكاذيب شتى.