تتكفل كافة النظم السماوية، والدساتير الأرضية بحرية الاعتقاد، وتحترم دور العبادة بصرف النظر عن الاتفاق، أو الاختلاف بين هذا الدين أو ذاك أو بين مبدأ وآخر. ومما تكفل به الدستور ( العراقي ) الجديد الذي كتب بعد الاحتلال حرية الدين، واحترام دور العبادة، وجاء في المادة ( 1 ) ثانياً :ـ (( يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية )) . والإنسان- أي إنسان- مستعد لبذل روحه من أجل دينه أو المبدأ الذي آمن به، وهذا ما نجده في قراءتنا لتاريخ الشعوب قديماً وحديثاً، فكثير من الناس هم تحت الأرض أو خلف القضبان أو في ديار الغربة بسبب مبادئ آمنوا بها، وضحوا في سبيلها، وإلا فإن الحياة الإنسانية، بلا مبدأ، حياة بهيمية لا قيمة لها، ولا تستحق أن يكد الإنسان فيها، أو يشقى. هذه المقدمة هي جزء من الحيرة التي تخالج النفس وتربك الفكر؛ ونحن نتابع ما يجري في العديد من المدن العراقية اليوم، وخصوصاً في الفلوجة وبعقوبة؛ حيث إن القوات الأمنية الحكومية تواصل هجومها الوحشي على المدنيين العزل في الفلوجة في الغرب، فيما تشن المليشيات الإرهابية حملة تطهير عنصرية في العديد من مدن وقرى محافظة ديالى ( 45 ) كم شمال شرق بغداد. اللعبة، أو المؤامرة بدأت في يوم 21/3/2014 حينما سيطرت بعض المجاميع الموالية للحكومة على ناحية بهرز ( 5 ) كم جنوب بعقوبة من دون أية مقاومة تذكر من نقاط التفتيش الحكومية المحيطة بالمدينة، وفي ذات الليلة بدأت طائرات الحكومة بقصف منازل المدنيين، واستمر الهجوم الجوي والبري لأكثر من ( 48 ) ساعة مخلفاً ورائه ( 52 ) شهيداً، وعشرات الجرحى، وتسبب بتهجير ( 2500 ) عائلة من المدينة. قوات سوات، التي نفذت الهجوم على بهرز، كانت مدعومة بالمئات من عناصر ميليشيا عصائب الحق، وهذه المليشيات الرسمية وغير الرسمية ارتكبت مجازر بشعة في داخل المنازل؛ حيث قُتل الأطفال، والنساء، والشيوخ، ومنهم رجل مسن يبلغ من العمر ( 92 ) عاماً، وقتلت خمسة شباب من عائلة واحدة، ووجدت الجثث في خزائن الملابس، وحرقت جوامع المدينة الأربعة؛ وهذه الجريمة تذكرنا بجرائم وحشية ارتكبت في بقاع مختلفة من العالم، ومنها الجرائم الصهيونية في صبرا وشاتيلا، والأمريكية في الفلوجة. سياسة الكيل بعشرات المكاييل، التي تكيل بها حكومة المالكي الأمور تؤكد- ما سبق وأن أثبتناه- أن هذه الحكومة طائفية حد النخاع، ففي يوم 20/3/2014 قتلت قوات البيشمركة الكردية- المكلفة بحماية مقر الرئيس جلال الطالباني- الصحفي محمد الشمري، وعلى الفور تحرك المالكي لمكان الحادث متعهداً لأهالي الصحفي القتيل بأن (( الدم بالدم )) ، وحدثت أزمة سياسية كبيرة مع الأكراد بخصوص تسليم القاتل، وهو نقيب في فوج حماية الطالباني ببغداد! المالكي استغل الحادثة للدعاية الانتخابية؛ وللضغط على الأكراد؛ في ظل الخلافات المستمرة بين الطرفين، وهنا تبرز عدة أسئلة تفرضها هذه التطورات الخطيرة، ومنها: لماذا لم يرفع المالكي شعار (( الدم بالدم )) في مواجهة ميليشيا العصائب، التي هجرت مئات العوائل في ديالى، وخصوصاً في المقدادية، ولماذا يغض الطرف عن جرائمها المستمرة في بهرز، وعموم بعقوبة، حيث تنتشر الآن حالة من الهلع في صفوف النساء والأطفال نتيجة تخوفهم من انتقال المليشيات للعديد من أحياء المدينة الأخرى! وأين المالكي من شلالات الدم الجارية في عموم المدن العراقية؟! هذه السياسات الحكومية الدقيقة ضد ديالى يراد منها تنفيذ سياسة التطهير المذهبي والعرقي، وفتح الطريق لمزيد من النفوذ الإيراني في البلاد عبر محافظة ديالى، وتمشيط المحافظة من أي فكر أو قوة مخالفة لنهجها الطائفي؟! ملاحظة :في ساعة كتابة هذا المقال عادت المليشيات لبهرز ودمرت جامع ( أم المؤمنين عائشة ) بعد أن أحرقته قبل يومين، واعتقلت المئات من المدنيين، وأعدمت ستة رجال ! Dr.jasemj1967@yahoo.com