حين تكون التحديات أكبر من القادة ، تكون المفردات التي يستخدمونها في بياناتهم الختامية فارغة تماماً كما أن وقعها لا يلامس حقيقة ما يجري على الأرض، تمسي عندها هذه المفردات عبارة عن اسقاط فرض، فيما تظهر مثل هذه القمة بلا وزن أو مصابة بإنعدام الوزن في اعين المقربين قبل الأبعدين، والجميع يراها تمثيلاً فارغاً إلا من شكليات تؤطر الوجوه والشخصيات والكلمات من غير أن يكون لها وقع مدوي في مراكز صنع القرار في العالم . القمم العربية السابقة كان لقراراتها وقع سياسي واقتصادي وأمني وعسكري وخطط طموحة تجعل المحيط الإقليمي والدولي يراقب عن كثب وبكل اهتمام ويبعث بالمندوبين ويحث السفراء والجواسيس على تلمس خيوط القرارات التي تتمخض عنها اجتماعات قادة القمة، على الرغم من أن معظم القرارات التي اصدرتها القمم العربية لم يرى النور وظلت في أقبية الجامعة يأكلها الغبار. الآن لا أحد يكترث اطلاقاً .. لا احد يبذل جهداً سياسياً أو أمنياً للوقوف على ما توصل اليه قادة القمة .. لماذا ؟ لأن القادة ليسوا بمستوى الأحداث العاصفة ولا بمستوى القرارات التي توقف على اقل تقدير زحف المخاطر على أقطار الأمة . الكلمات والخطابات، التي القيت في هذه القمة القاصرة ذات النصاب الضعيف، تعطي مدلولات فارغة من المعنى عدا معنى الإستهلاك المحلي والإقليمي الذي يعكس تجمعاً تنخره الإختلافات وتنهشه الأنانية القبلية منذ زمن بعيد يمتد إلى حروب القبائل.. وكل ذلك يحدث على صعيد النظم في الزمن المعاصر.!! - أكد البعض على ( .. بذل جهد جماعي واتخاذ موقف موحد ومشترك للتصدي لخطر الإرهاب ) .. ولكن لم يحدد شكل الإرهاب ومصادره الإقليمية والدولية لكي يعرف الشعب والعالم هذا الإرهاب .. هل هو أفراد أم جماعات أم هو إرهاب دولة .. من هي هذه الدولة؟ - كما أكد البعض الآخر على ( .. إقامة علاقات طبيعية تسودها الثقة والإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحل الخلافات بالطرق السلمية.. ) .. هذه الدعوة لا شيء يقابلها من حيث الواقع، إذ يستمر التدخل الإيراني السافر الفعلي بكل اشكاله، الإستخبارية والعسكرية- المليشية ذات الصبغة التشيعية الفارسية .. والأدلة على هذا التدخل كثيرة وقاطعة ولا أحد يستطيع انكارها أو التغطية عليها . - تتعرض القمة العربية للوضع السوري وتصف النظام السياسي في دمشق بـ ( الجائر يساعده في ذلك اختراقات خارجية وجماعات ارهابية مسلحة وفدت للساحة السورية من كل حدب وصوب.. ) .. ولم تحدد القمة الجهة التي تساعد النظام الجائر في عدوانه على الشعب السوري والشعب العراقي وشعب الخليج العربي برمته، وهوالنظام الإيراني- الفارسي الصفوي الذي يخلق الأزمات ويخلق الإرهاب ويزعزع أمن المنطقة واستقرارها منذ عام 1979. - أشارت القمة العربية إلى أن ( القضية الفلسطينية والنزاع العربي- الإسرائيلي أهم التحديات التي تواجه الأمة العربية ) .. فيما باتت القضية الفلسطينية محط مساومات اقليمية ودولية وحالة اجهاض بفعل التدخل الإيراني الذي اتخذ منها معبراً إلى المنطقة، فيما قسمت إيران القضية الفلسطينية بدعمها ( حماس ) على وجه التحديد، من اجل إيجاد شرخ في بنية القضية الفلسطينية فكراً وجيو- سياسة شرذمت وتم اختزالها بـ ( الضفة وغزة ) ، وهي القضية المركزية للعرب اجمعين .. وهذه الخدمة قدمتها إيران إلى الكيان الصهيوني على طبق من ذهب .. أما النزاع العربي- الإسرائيلي فهو كلام وضعت له نهاية في حرب عام 1973 ,, فلماذ هذا الإستهلاك المحلي والإقليمي في ظروف خطرة تواجه الأمة ؟ .. - ثم لماذا يتجاهل المؤتمر وضع العراق؟ ألم يكن العراق ركيزة مهمة واساسية للأمن القومي العربي؟ ألم يكن العراق ركيزة ودعامة لأمن الخليج العربي من تهديدات إيران؟ فلماذا أغفلت القمة العربية الوجود السياسي والإستخباري والأمني والمليشي الإيراني المؤدلج في العراق؟ ، فلماذا تتجاهل هذه القمة البائسة حمام الدم الذي يعيشه الشعب العراقي ؟ تحدثت القمة العربية عن مفردات ( التحديات ) و ( الإرهاب ) و ( التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ) : أولاً- لم تحدد القمة العربية هذه التحديات، ومصادرها ونوعها وشكلها ومدى خطورتها على الأمن القومي العربي، ثم لم تدعو إلى عقد مؤتمر رسمي على مستوى الجامعة العربية حول التحديات التي تجابه الأمة العربية من أجل وضع استراتيجية دفاعية شاملة تتبنى ممكنات المجابهة واحتمالاتها ؟ ثانياً- لم تحدد القمة العربية ( الإرهاب ) لكي تحاربه .. الكل يحارب الإرهاب .. ( أمريكا تحارب الإرهاب وسوريا تحاربه، وإيران تحاربه، والعراق يحاربه، وحزب الله يحاربه، وحماس تحاربه، والخليج يحاربه، واوربا تحاربه، وروسيا تحاربه، والصين تحاربه، والعالم يحاربه ) ، فمن هو الإرهاب إذن ؟! وهل هو أفراد أم جماعات أم أحزاب أم دول ؟ فضلاً عن طبيعته ومدى خطورته حيال الواقع العربي والسلم الإجتماعي والأمن القومي العربي .. كما أن هذه القمة لم تعمل من اجل عقد مؤتمر قومي تشارك فيه كل قوى الأمة ومنظمات مجتمعها المدني لتحديد أسس مجابهة هذا الإرهاب إذا كانت القمة العربية غير قادرة على ذلك. ثالثاً- لم تحدد القمة العربية مسألة ( التدخل ) ومصادره وشكله ونوعه ومدى خطورته الراهنة والمحتملة على الأمن القطري والأمن القومي العربي .. ولم تتبنى عقد مؤتمر على مستوى الحكومات لوضع استراتيجية سياسية لها ابعادها العسكرية والأمنية تعمل من أجل الحد من التدخل وتنمع اتساعه في ضوء عدد من الأحكام في حالة الخرق الذي يتعرض له أي قطر عربي ومنها على وجه التحديد ( المقاطعة الاقتصادية، وقطع العلاقات الدبلوماسية ، وتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في مجمل العلاقات الثنائية وعلى جميع الصعد ) . ومن هذا يتضح .. أن القمة العربية لم تضع النقاط على الحروف، وهي في وضعها الحالي تحاول الهروب إلى الأمام بدعوات فارغة يعرفها المقابل .. والتساؤل هنا، لماذا لا تسمي القمة العربية التدخل الإيراني بعد أن بات علانية وعلى الأرض في سوريا والعراق واليمن على وجه التحديد .. ومن خلال حزب الله في سوريا والأحزاب الطائفية التي يقودها الجنرال "قاسم سليماني" في العراق ، والحوثيون المسلحون بأسلحة إيرانية في اليمن ، والتهديد الإيراني والعراقي الوقح للعربية السعودية ؟! - تحدثت القمة العربية عن ( .. التعامل بشفافية وواقعية وصراحة ) .. والقمة ذاتها لم تكن صريحة مع الشعب العربي في كل ساحاته ، وهو الشعب الذي يتطلع إلى قادة حقيقيين يضعون النقاط على الحروف ويجنبون دفع الشعب إلى المجهول بعبارات غامضة هدفها التسويف وإسقاط فرض.!! - أما الجامعة العربية فقد تحدثت بلسان أمينها العام عن ( الأمن القومي العربي الذي يواجه تحديات كبيرة ) .. ثم ماذا بعد ذلك ؟ لا شيء ، لأن الجامعة لم تتخذ اجراءات من شأنها حماية الأمن القومي العربي ولا أي اجراءات كفيلة بحماية الأمن القطري لأعضائها .. فقد بادرت العربية السعودية بإتخاذ خطوات استراتيجية مهمة وبتوقيتها من اجل حماية الأمن القطري للبحرين المهدد من إيران ، ولم تحرك أنذاك الجامعة العربية ساكناً وهي المسؤولة عن حماية الأمن القومي العربي تبعاً لميثافها .!! لماذا لا تحدد الجامعة العربية طبيعة هذه التحديات وشكلها ومصدرها ومدى تأثيرها على مصير الأمة، وخاصة المشاريع الإستعمارية المطروحة والتي تأخذ مجالها الفعلي إلى التطبيق والتنفيذ، وهي المؤسسة التي كان الأولى بها أن تسارع منذ اكثر من عقدين إلى وضع استراتيجية جامعة شاملة تعالج المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي العربي - أنظروا حلف شمالي الأطلسي كيف يعقد اجتماعاته ويصدر قراراته في ضوء استراتيجيته السياسية التي تتعامل مع مختلف الأحداث الوشيكة والمحتملة في العالم - . لقد تحدثت الجامعة العربية في قمة الكويت عن ( رياح التغيير التي هبت على المنطقة منذ ثلاث سنوات وضرورة التعامل معها برؤية استراتيجية شاملة وحزم وارادة ) ، فأين كانت الجامعة العربية منذ ثلاث سنوات والعواصف تهب حسب تعبير الأمين العام للجامعة ؟ هل كانت في سبات أم هي في رقدة اصحاب الكهف إذا جاز التعبير؟! ، ولكن تظل كلمات الجامعة العربية وأمينها العام مجرد حبر على ورق خالية من أي مرتسم فعلي على ارض الواقع العربي الذي يعج بالتحديات الخارجية . - بلغت كلفة استضافة القمة العربية في الكويت ( 88 ) مليون دولار .. والحصيلة لا شيء ، وكان الأجدى أن تذهب هذه الملايين إلى النازحين العرب الفارين من الموت إلى خارج بلادهم بدلاً من اجتماعات خاوية ليس لها من نصيب على أرض الواقع العربي الذي يعيش الذل والمهانة .!!