كان ياما كان في قديم الزمان سد عظيم في بلاد اليمن السعيد واسمه سد مأرب، لم يذكر التاريخ سدا أقدم منه إلا قليلا، كان السد ذو فوائد عظيمة لأهل البلاد، كان يحميهم من غضب الطبيعة، من الفيضانات المتكررة في بلاد معروفة بجبالها ووديانها وتضاريسها الوعرة، كما كان يؤمن لهم الماء اللازم للزراعة وتربية الماشية وبالتالي للاستقرار الذي أدى إلى وجود مجتمع مزدهر استطاع أن يبني حضارة عظيمة ودولة قوية ذاع صيتها ووصلتنا أخبارها عبر تناقل أخبار الحضارات وعبر القرآن الكريم ومن خلال الآثار التي تركتها تلك الحضارة. سكان اليمن هم العرب وهم بناة ذلك السد العظيم وهم الذين بنوا تلك الحضارة الضاربة جذورها في عمق التاريخ. انهار السد وبانهياره تشردت القبائل العربية وبدأت هجرتها شمالا وشرقا وغربا وانهارت الدولة والحضارة والعمران، انتهت "جنات عدن". تقول موسوعة الويكيبيديا : "حسب التنقيبات الأثرية فإن السد تعرض لأربع انهيارات على الأقل كان آخرها عام 575 م ولم تبذل جهود لترميمه منذ ذلك الحين لغياب حكومة مركزية ولاضطراب الأمن في البلاد وتدخل القوى الخارجية (الفرس) واستقلال زعماء القبائل بإقطاعياتهم". هناك إذن سببان لانهيارالسد ومعه انهيار الدولة وحضارتها : التدخل الخارجي وغياب سلطة مركزية قوية وكثرة الزعامات وحبهم للسلطة وانعدام الشعور بالانتماء لوطن. يبدو لي أني لا أتكلم عن حضارة تعود لألف سنة قبل الميلاد (على الأقل) بل عن واقعنا الراهن، ومن الغريب أن نجد الفرس كأحد أسباب انهيار حضارة اليمن السعيد، فأي مصادفة تلك ونحن نرى نفس أولئك القوم وهم يعملون بكل جد للوقوف ضد نهوض العرب من جديد؟ فعلوا ذلك قبل الإسلام وفعلوه بعد الإسلام وما زالوا . عندما حطم العرب المسلمون امبراطورية الفرس وأدخلوهم في الإسلام، بدأ هؤلاء حملة تخريب مبادئه ونخره من الداخل بتشجيعهم لكل الانقسامات على أساس مذهبي وتبنيهم لما يسمى بالتشيع لآل البيت وإدخالهم أفكارا ومفاهيم وممارسات ما أنزل الله بها من سلطان، وما زالوا حتى الآن يعادون أية محاولة لنهوض العرب والمسلمين لبناء دولة مركزية قوية قادرة على الدفاع عن نفسها وعلى تأمين سبل العيش الكريم لمواطنيها والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية على جميع الأصعدة. في نهاية سبعينات القرن الماضي ومع وصول ملالي إيران للسلطة، كان من أول أهدافهم التوسع غربا في محاولة لاحتلال العراق ودول الخليج واليمن وسورية ولبنان من خلال الاعتماد على شيعة الدول العربية تلك، ومن خلال حملات التشيع المرتكزة على إغراءات مادية ومساعدات إنسانية ومن خلال الركوب على مأساة الشعب الفلسطيني والادعاء بأنهم يعملون لتحرير فلسطين والقدس. كان نظام البعث بقيادة الرئيس صدام حسين هو السد المنيع الذي حمى العراق ودول الخليج من نوايا إيران العدوانية، قدم العراق مئات آلاف الضحايا من خيرة أبنائه ودفع الغالي والنفيس من ثرواته واقتصاده وتطوره العلمي من أجل حماية العرب، لقد مثل العراق في تلك الفترة "سد مأرب القرن العشرين" الذي أمن الدول العربية وحماها ودافع عنها ضد الهجمة الفارسية. وحين انهار هذا السد من خلال تآمر كل قوى الشر والغدر في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ونظام ملالي طهران وكثير من الأنظمة العربية، بدأت سلسلة الانهيارات في المنظومة العربية والإسلامية ولم تبق أية دولة عربية في مأمن من الغزو الخارجي، والفارسي منه على وجه الخصوص، إنه السيل الطائفي الذي بدأ يغرق العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين وشرق السعودية ويهدد بالوصول إلى مصر وبلدان المغرب العربي وغيرها كثير، وكما كان لانهيار سد مأرب نتائج كارثية فإن انهيار السد العراقي أتى بنتائج أكثر خطورة على مستقبل العرب والمسلمين : أصبحت أرض العرب مهددة ومحتلة، تكالبت عليها ضباع العالم كلها تنهش في جسدها، تمزق كياناتها وتمسخ شخصيتها الحضارية والثقافية، تحارب الإسلام فيها بكل الوسائل والأساليب القذرة، فمن تشويه صورته ودمغه بتهمة الإرهاب، إلى تشكيل تنظيمات تدعي الإسلام زورا وبهتانا، إلى القيام بهجمة ثقافية مضادة للعرب والمسلمين تسخر لها أموالا طائلة وإمكانيات إعلامية هائلة، يساعدها في ذلك رهط من الأنظمة العميلة المفروضة على شعوب المنطقة بالقوة. وعن التدخل الخارجي وما فعله بالعرب يكفي أن نذكرمن التاريخ الحديث احتلال مجمل الأقطار العربية في القرن الماضي من قبل الفرنسيين والإنكليز وضياع فلسطين والجولان ولواء الإسكندرون وغيرها، ثم تدمير العراق وتفكيك بنيانه ونسيجه الوطني وصولا إلى تدمير سورية المستمر حاليا وبكل حقد. أما عن السبب الثاني لانهيار الدول والحضارات المتمثل بغياب الشعور الوطني وتغليب الانتماء للعائلة أو العشيرة أو القبيلة أو الطائفة وبحب السلطة والمال، فالتاريخ أعطانا وما زال يعطي أمثلة كثيرة حية، منها انهيار الدولة الأموية والعباسية وضياع الأندلس وضياع وخراب كثير من الأصقاع التي كان العرب المسلمون قد وصلوا إليها في عز قوتهم، إضافة إلى كل أنواع الغزو التي تعرضت لها أرض العرب على مر التاريخ والتي كان أغلبها بتعاون مع حاكم أو سلطان أو خليفة من أرض العرب والإسلام. ويبقى السؤال الآن من سيبني لهذه الأمة سدا جديدا يحميها من الغزو الخارجي، غربيا كان أم فارسيا أم طائفيا؟ من سيعيد بناء مأرب جديد؟ إني أرى أنه لا بد من العودة إلى التحلي بالوطنية الخالصة التي تنبذ أي سلوك طائفي أو مذهبي أو عرقي، والعمل على إحياء الرابطة القومية العربية المنفتحة على كل أبناء الوطن العربي بكل تنوعهم الديني والمذهبي والقومي والتمسك بمبادئ الإسلام السمحة التي تقول بأن لا إكراه في الدين. إن هزيمة ودحر الهجمة الغربية والطائفية الحاقدة في سورية والعراق على وجه الخصوص قد تشكل الأسس الصلبة لبناء سد منيع جديد يحمي العرب والمسلمين من ويلات التدخل الخارجي المسموم وما يحمله من مشاريع التقسيم والتفتيت لكل الأقطار العربية. إن دعم الثوار في هذين البلدين واجب كل وطني غيور على وطنه وشعبه بعيدا عن الاصطفاف الطائفي أو المذهبي أو العرقي، إذ لا حل إلا بإسقاط الأنظمة الطائفية ومن يدعمها ويقف خلفها أيا كانت هويته ومذهبه وجنسيته.