عندما طلب نابوليون بونابرت، أعداد دستور لفرنسا، بداية القرن التاسع عشر، توجه إلى لجنة الأعداد بوجوب أن يكون مختصراً، فأضاف "تاليران" وأن يكون غامضاً ايضاً. هذه الإشارة من "تاليران" لم تكن عبثيه، بل الإفساح في المجال لتطويع النص الذي يكتنفه الغموض بما يخدم مصلحة "أولي الأمر". ويبدو أن واضعي الدساتير، أخذوا بنصيحة تاليران، ومنهم واضعو الدستور اللبناني، بحيث أن الغموض يكتنف أكثر من مادة من مواده وآخرها السجال الدائر حول تفسير المادة (64)، فقرتها الثانية التي تنص على ما يلي: على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. وهذا النص حول المهلة، لم يكن مدرجاً في النص السابق قبل التعديل الدستوري تاريخ 21/9/1990 فهل هذه المهلة، هي مهلة إسقاط كما يذهب البعض لتأكيده أم "مهلة حث" كما يذهب بعض آخر في رأيه. لو أخذ بوجهة النظر الأولى، بأن المهلة هي مهلة إسقاط، لوجب أن تعتبر الحكومة بحكم المستقيلة، وبالتالي الانطلاق نحو دورة جديدة من الاستشارات للتكليف ومن ثم التأليف. أما وأن النص الدستوري الذي ورد في المادة (69) والذي حدد الحالات التي تعتبر الحكومة فيها مستقيلة لم يشر إلى اعتبار الحكومة مستقيلة أو بحكم المستقيلة إذا لم تتقدم من المجلس النيابي ببيانها الوزاري خلال ثلاثين يوماً من صدور مرسوم التشكيل. وحيث أن النص الدستوري قد حدد حصراً الحالات التي تعتبر الحكومة فيها مستقيلة وليس من ضمنها المهلة المحددة في المادة (64)، فإنه بالتالي لا يمكن اعتبار مهلة الثلاثين يوماً، مهلة إسقاط، لأنه لا يجوز التوسع في تفسير النص الدستوري خلافاً لمقاصد المشرع. لأنه لو أراد أن يعتبر المهلة هي مهلة إسقاط، لكان نص على ذلك صراحة أسوة بالحالات التي حددتها المادة (69). أو كان على الأقل، أضاف فقرة استطرادية على نص المادة (64)، وهي اعتبار الحكومة مستقيلة إذا انقضت مهلة الثلاثين يوماً ولم تتقدم من المجلس النيابي ببيانها الوزاري. أما وأن المادة (69) لم تشر إلى اعتبار الحكومة مستقيلة إذا لم تنجز بيانها الوزاري في مهلة الثلاثين يوماً، وأن المادة (64) لم تتضمن فقرة استطرادية محددة للحالة الدستورية التي ستصبح فيها الحكومة في حال عدم إنجازها البيان الوزاري خلال مهلة الثلاثين يوماً، فأننا نرى أن مهلة الثلاثين هي "مهلة حث" وليست مهلة إسقاط. لكن المشكلة تكمن في حلول الأجل، دون تمكن الحكومة من إنجاز بيانها الوزاري، هل تطلب مهلة جديدة؟ وليس في الدستور ما يشير إلى ذلك؟ وإذا أرادت أن تطلب هذه المهلة، فمن هو المرجع الدستوري الذي تتوجه إليه؟ هل تتوجه إلى الرئاسة الاولى وليس في النص ما يجيز ذلك؟ أم تتوجه إلى السلطة الاشتراعية، طالبة تعديل (نص المادة 64) لمنحها مهلة إضافية، وهي في واقعها الدستوري ليس ما يمكنها من ذلك، لأن مجلس الوزراء لم يكتسب الصفة الدستورية والتي تجيز له ممارسة دوره انفاذاً لنص المادة(76) كما أن اللجوء إلى أحكام المادة (77) دونها صعوبات نظراً للانشطار السياسي القائم، فضلاً عن كون المجلس ليس في دورة انعقاد عادية، وأن فتح دورة استثنائية دونها معوقات دستورية وسياسية؟ إذاً، ان واقع الحال، يبرز وجود مأزق دستوري ناتج عن غموض في النص الدستوري، وهذا المأزق لا حل له عبر المخارج الدستورية، بل عبر المخارج السياسية، والمخرج السياسي يتم عبر خطوتين. أما أن يقتنع الجميع بوجوب تدوير الزاويا والخروج بصيغة سياسية حول المفردات الخلافية، وأما أن يقدم رئيس الحكومة استقالته فتصير الحكومة عندئذ مستقيلة سنداً للمادة (69). ان الثانية تتم بإرادة منفردة، اما الأولى فتتم بإرادة جماعية ولأجل تنفيس الاحتقان السياسي، يفضل اعتماد الخيار الأول وحتى لا تعود الأمور إلى المربع الأول. Hasan_bayan@hotmail.com