يتنادى سياسيون متقاعدون وآخرون منبوذون ورؤساء عشائر لا تأثير لهم إلى تقديم مبادرات تلو المبادرات لحل ما يسمونه ( أزمة الأنبار ) لحفظ ماء وجه رئيس حكومة الاحتلال نوري المالكي وإنقاذه من الورطة غير المحسوبة التي وضع نفسه وجميع ما أنتجه الاحتلال فيها، وجميع تلك المبادرات فيها ما يضحك الثكلى، وأكثرها إضحاكاً مبادرة عمار الحكيم. لكن الذي يجب أن يعرفه كل من يقدم مبادرة بهذا الشأن، قبل أن يقدمها أو يعلن عنها، أن في العراق ثورة استكملت مستلزماتها وشروطها وتعرف ما تريد وإلى أين هي ماضية وإلى ماذا تريد أن تصل، وأنها تمتلك جميع وسائل تحقيق إرادتها الجبارة، كما أنها تملك ما لا يملكه الطرف الآخر فهي صاحبة وطن وشعب والطرف الآخر جاء به المحتلون من الزوايا العفنة والمظلمة في العالم، وهي تريد تحقيق إرادة شعب ووطن في التحرر والبناء واللحاق بركب العالم، والطرف الآخر يريد تنفيذ أجندة المحتلين في تفتيت هذا الشعب وتمزيقه وإذلاله وتدمير هذا الوطن حتى لا يبقوا فيه حجرا على حجر، وهي خطابها وطني جامع وخطاب الطرف الآخر طائفي مقيت، بل هو طائفي داخل الطائفة التي يدعي تمثيلها.. ولك أن تعدد من هذه التناقضات والفروق بين الطرفين حتى يتعبك التعداد. المشكلة ليست مع نوري المالكي لكي تستطيع مبادرة أن تحلها وينتهي الأمر، بل المشكلة مع كامل العملية السياسية الاحتلالية المفروضة على هذا الشعب، ومشكلة هذه المبادرات أنها تلجأ إلى شخوص في هذه العملية ليكونوا ضامنين لتفيذ مبادراتهم. الثورة عندما انطلقت قالت بصريح العبارة إنها تريد كنس العملية السياسية التي فرضها المحتل وإلغاء الدستور الذي لم تكتبه يد عراقية ولم يكن من نضح فكر عراقي. ما نريد أن يفقهه أصحاب المبادرات قبل أن يخطوا حرفاً في مبادراتهم أن هذه الثورة عراقية أطلقت الأنبار شرارتها الأولى كما أطلقت الرميثة في القرن الماضي شرارة ثورة العشرين، وأنها ستعم أرض العراق لتكتسح الظلم الذي كلكل على أرض الرافدين وتنظفها من الغرباء وتجعلها لا نفوذ فيها إلا لكل ما هو عراقي. والسؤال الذي يتلجلج في صدر كل عراقي: ترى أين كان أصحاب هذه المبادرات يوم ارتكب هؤلاء القادمون من وراء الحدود مجزرة الفلوجة؟ أين كانوا يوم اقترفوا جريمة الزركة البشعة؟ أين كانوا، ولماذا لم نسمع أصواتهم، والميليشيات الطائفية تصول وتجول ذبحاً وتقتيلاً وتشريدا وملاحقة وتنكيلاً بالعراقيين؟ أين كانوا والجثث مجهولة الهوية تملأ الطرقات؟ أين كانوا والمفخخات والعبوات تقطف أرواح خيرة أبناء هذا الشعب وما تزال؟ أين كانت أصواتهم والمعتقلون والمعتقلات يملأون السجون؟ أين كانوا وخيرة شباب العراق يعدمون على الظنة أو لأنهم قاوموا قوات المحتل؟ أين كانوا والفحيح الطائفي في تصريحات رئيس الحكومة يتعالى ويمزق وحدة هذا الشعب؟ أين كانوا يوم يأخذون المرأة بدل زوجها أو ولدها أو أبيها؟ وأين كانوا يوم واجه هؤلاء الغرباء تظاهرات العراقيين في ساحة التحرير وسواها بالحديد والنار؟ أين هم والنفوذ الإيراني يتسع ويسيطر على كل شيء في هذه البلاد؟ وأسئلة لن تنتهي عليهم الإجابة عنها قبل أن يقدموا على كتابة ما يسمونه مبادرة. والمضحك أن مقدمي المبادرات كلهم من شخوص العملية السياسية التي ثار عليها العراقيون أو من المستفيدين منها ومبادراتهم كلها لا تنشد مصلحة العراقيين قدر ما تنشد مصالحهم هم.. إنهم يستقتلون للحفاظ على عملية سياسية أثبتت عداءها للعراقيين. والغريب أن أصحاب هذه المبادرات لم يظهر حرصهم على دماء العراقيين إلا عندما بدأت الثورة تحقق نجاحات على الأرض وتقترب من بلوغ غاياتها وتحقيق انتصارها. إن المبادرة الوحيدة المقبولة هي التي تقف إلى جانب الشعب، وفي وجه هؤلاء الغرباء وتقول لهم : ارحلوا لا مكان لكم بيننا ودعونا نبني وطننا الذي خربتموه ونداوي جراح شعبنا الذي قتلتموه وننظف أرضنا من أدرانكم وجرائركم وما اقترفتموه. وإلا فليكرمنا كل ذي مبادرة بصمته، فإنه إذا نشد مصلحة الوطن والشعب، حقاً، فإن مصلحة الوطن والشعب بسكوته وعدم تملقه للغرباء مقابل مال حرام يجنيه منهم.